المسيو و الشباب
إهلا بيك زائرنا الكريم الرجاء التسجيل
المسيو و الشباب
إهلا بيك زائرنا الكريم الرجاء التسجيل
المسيو و الشباب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى المســــــــــــــــيو
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 ذكر وفاة موسى عليه السلام

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
akmal akmal
صاحب مكان
akmal akmal


عدد المساهمات : 1207
تاريخ التسجيل : 25/08/2009
العمر : 32

ذكر وفاة موسى عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: ذكر وفاة موسى عليه السلام   ذكر وفاة موسى عليه السلام Icon_minitimeالإثنين 07 ديسمبر 2009, 9:29 pm

قيل‏:‏ بينما موسى عليه السلام يمشي ومعه يوشع بن نون فتاه إذ أقبلت ريح سوداء فلمّا نظر إليها يوشع ظنّ أنها الساعة فالتزم موسى وقال‏:‏ لاتقوم الساعة وأنا ملتزم نبيّ الله فاستلّ موسي من تحت القميص وبقي القميص في يدي يوشع فلمّا جاء يوشع بالقميص أخذه بنو إسرائيل وقالوا‏:‏ قتلت نبيّ الله فقال‏:‏ ما قتلته ولكنه استلّ مني فلم يصدّقوه قال‏:‏ فإذا لم تصدّقوني فأخروني ثلاثة أيام فوكّلوا به من يحفظه فدعا الله فأتي كلّ رجل كان يحرسه في المنام فأُخبر أنّ يوشع لم يقتل موسى وأنّا قد رفعناه إلينا فتركوه‏.‏

وقيل‏:‏ إنّ موسى كره الموت فأراد الله أن يحبّب إليه الموت فأوحى الله إلى يوشع بن نون وكان يغدو عليه ويروح ويقول له موسى‏:‏ يا نبيّ الله ما أحدث الله إليك فقال له يوشع بن نون‏:‏ يا نبيّ الله ألم أصحبك كذا وكذا سنة فهل كنت أسألك عن شيء مما أحدث الله لك ولا يذكر له شيئًا فلمّا رأى موسى ذلك كره الحياة وأحبّ الموت وقيل‏:‏ إنه مرّ منفردًا برهط من المالذكة يحفرون قبرًا فعرفهم فوقف عليهم فلم يرَ أحسن منه ولم يَر مثل ما فيه من الخضرة والبهجة فقال لهم‏:‏ يا ملائكة الله لمن تحفرون هذا القبر فقالوا‏:‏ نحفره لعبد كريم على ربّه فقال‏:‏ إنّ هذا العبد له منزلٌ كريم ما رأيتُ مضجعًا ولا مدخلًا مثله فقالوا‏:‏ أتحبّ أن يكون لك قال‏:‏ وددت قالوا‏:‏ فانزل واضطجع فيه وتوجّه إلى ربك وتنفّس أسهل تنفس تتنفسّه فنزل فيه وتوجّه إلى ربه ثم تنفس فقبض الله روحه ثمّ سوت الملائكة عليه التراب‏.‏

وكان ـ النبي ـ صلى الله عليه وسلمـ ـ زاهدًا في الدنيا راغبًا فيما عند الله إنما كان يستظل في عريش ويأكل ويشرب من نقير من حجر تواضعًا إلى الله تعالى ‏.‏

وقال النبي ـ ـ صلى الله عليه وسلمـ ـ ‏:‏ ‏(‏إنّ الله أرسل ملك الموت ليقبض روحه فلطمه ففقأ عينه فعاد وقال‏:‏ يا ربّ أرسلتني إلى عبد لا يحبّ الموت قال الله‏:‏ رجع له وقل له يضع يده على ظهر ثور وله بكلّ شعرة تحت يده سنة وخيّره بين ذلك وبين أن يموت الآن فأتاه ملك الموت وخيّره فقال له‏:‏ فما بعد ذلك قال‏:‏ الموت قال‏:‏ فالآن إذن فقبض روحه ‏)‏‏.‏ وهذا القول صحيح قد صحّ النقل به عن النبيّ ـ النبي ـ صلى الله عليه وسلمـ ـ فكان موته في التيه أيضًا‏.‏وكان جميع عمر موسى مائة وعشرين سنة من ذلك في ملك أفريدون عشرون وفي ملك منوجهر مائة سنة وكان ابتداء أمره منذ بعثه الله إلي أن قبضه في ملك منوجهر‏.‏

ثمّ نبّئ بعده يوشع بن نون فكان في زمن منوجهر عشرين سنة وفي زمن أفراسياب سبع سنين‏.‏

ذكر يوشع بن نون عليه السلام وفتح مدينة الجبارين لما توفي موسى بعث الله يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام نبيًّا إلى بني إسرائيل وأمره بالمسير إلى أريحا مدينة الجبّارين واختلف العلماء في فتحها على يد من كان فقال ابن عبّاس‏:‏ إنّ موسي وهارون توفيّا في التيه وتوفّي فيه كل من دخله وقد جاوز العشرين سنة غير يوشع بن نون وكالب بن يوفنا فلما انقضى أربعون سنة أوحى الله إلى يوشع بن نون فزمره بالمسير إليها وفتحها ففتحها ومثله قال قتادة والسّدّيّ وعكرمة‏.‏

وقال آخرون‏:‏ إنّ موسى عاش حتى خرج من التيه وسار إلى مدينة الجبّارين وعلى مقدمته يوشع بن نون ففتحها وهو قول ابن إسحاق قال ابن إسحاق‏:‏ سار موسى بن عمران إلى أرض كنعان لقتال الجبّارين فقدّم يوشع بن نون وكالب بن يوفنّا وهو صهره على أخته مريم بنت عمران فلمّا بلغوها اجتمع الجبّارون إلى بلعم بن باعور وهو من ولد لوط فقالوا له‏:‏ رن موسي قد جاء ليقتلنا ويخرجنا من ديارنا فادع الله عليهم وكان بعلم يعرف اسم الله الأعظم فقال لهم‏:‏ كيف أدعو على نبيّ الله والمؤمنين ومعهم الملائكة فراجعوه في ذلك وهو يمتنع عليهم فأتوا امرأته وأهدوا لها هديّة فقبلتها وطلبوا إليها أن تحسّن لزوجها أن يدعو على بني إسرائيل فقالت له في ذلك فامتنع فلم تزل به حتى قال‏:‏ أستخير الله فاستخار الله تعالى فنهاه في المنام فأخبرها بذلك فقالت‏:‏ راجع ربّك فعاود الاستخارة فلم يرد إليه جواب فقالت‏:‏ لو أراد ربّك لنهاك ولم تزل تخدعه حتى أجابهم فركب حمارًا له متوجّهًا إلى جبل مشرف على بني إسرائيل ليقف عليه ويدعو عليهم فما سار عليه إلاّ قليلًا حتى ربض الحمار فنزل عنه وضربه حتى قام فركبه فسار به قليلًا فبرك فعل ذلك ثلاث مرّات فلمّا اشتدّ ضربه في الثالثة أنطقه الله فقال له‏:‏ ويحك يا بلعم أين تذهب أما ترى الملائكة ترى تردّني فلم يرجع فأطلق الله الحمار حينئذ فسار عليه حتى أشرف على بني إسرائيل فكان كلّما أراد أن يدعو عليهم ينصرف لسانه إلى الدعاء لهم وإذا أراد أن يدعو لقومه انقلب دعاؤه عليهم فقالوا له في ذلك فقال‏:‏ هذا شيء غلبنا الله عليه واندلع لسانه فوقع على صدره فقال‏:‏ الآن قد ذهبت مني الدنيا والآخرة ولم يبقَ غير المكر والحيلة وأمرهم أن يزيّنوا نساءهم ويعطوهنّ السلع للبيع ويرسلوهنّ إلى العسكر ولا تمنع امرأة نفسها ممن يريدها وقال‏:‏ إن زنى منهم رجل واحد كفيتموهم ففعلوا ذلك ودخل النساء عسكر بني إسرائيل فأخذ زمرى بن شلوم وهو رأس سبط شمعون بن يعقوب امرأة وأتى بها موسى فقال له‏:‏ أظنك تقول هذا حرام فوالله لا نطيعك ثمّ أدخلها خيمته فوقع عليها فأنزل الله عليهم الطاعون وكان فنحاص بن العزار بن هارون صاحب أمر عمّه موسى غائبًا فلما جاء رأى الطاعون قد استقر في بني إسرائيل وأُخبر الخبر وكان ذا قوّة وبطش فقصد زمرى فرآه وهو مضاجع المرأة فطعنهما بحربة في يده فانتظمهما ورفع الطاعون وقد هلك في تلك الساعة عشرون ألفًا وقيل‏:‏ سبعون ألفًا فأنزل الله في بلعم‏:‏ ‏{‏واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 175‏]‏‏.‏

ثم إن موسى قدّم يوشع الي أريحا في بني إسرائيل فدخلها وقتل بها الجبارين وبقيت منهم بقيّة وقد قاربت الشمس الغروب فخشي أن يدركهم الليل فيعجزوه فدعا الله تعالى أن يحبس عليهم الشمس ففعل وحبسها حتى استأصلهم ودخلها موسى فأقام بها ما شاء الله أن يقيم وقبضه الله إليه لا يعلم بقبره أحد من الخلق‏.‏ وأما من زعم أن موسى كان قد توفّي قبل ذلك فقال‏:‏ إنّ الله أمر يوشع بالمسير إلى مدينة الجبارين فسار ببني إسرائيل ففارقه رجل يقال له بلعم بن باعور وكان يعرف الاسم الأعظم وساق من حديثه نحو ما تقدّم فلمّا ظفر يوشع بالجبارين أدركه المساء ليلة السبت فدعا الله فردّ الشمس عليه وزاد في النهار ساعة فهزم الجبارين ودخل مدينتهم وجمع غنائمهم ليأخذها القربان فلم تأتِ النّار فقال يوشع‏:‏ فيكم غلول فبايعوني فبايعوه فلصقت يده في يد من غلّ فزتاه برأس ثور من ذهب مكلّل بالياقوت فجعله في القربان وجعل الرجل معه فجاءت النار فأكلتهما‏.‏

وقيل‏:‏ بل حصرها ستّة أشهر فلما كان السابع تقدّموا إلى المدينة وصاحوا صيحة واحدة فسقط السور فدخلوهاوهزموا الجبارين وقتلوا فيهم فأكثروا ثمّ اجتمع جماعة من ملوك الشام وقصدوا يوشع فقاتلهم وهزمهم وهرب الملوك إلى غار فأمر بهم يوشع بن نون فقتلوا وصلبوا ثمّ ملك الشام جميعه فصار لبني إسرائيل وفرّق عمّاله فيه ثمّ توفّاه الله فاستخلف على بني إسرائيل كالب بن يوفنّا وكان عمر يوشع مائة وستًّا وعشرين سنة وكان قيامه بالأمر بعد موسى سبعًا وعشرين سنة‏.‏

وأما من بقي من الجبارين فإن إفريقش بن قيس بن صيفي بن سبأ بن كعب بن زيد بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان مإه بهم متوجهًا إلى افريقية فاحتملهم من سواحل الشام فقدم بهم افريقية فافتتحها وقتل ملكها جرجير وأسكنهم إياها فهم البرابرة وأقام من حمير في البربر صنهاجة وكتامة فهم فيهم إلى اليوم‏.‏

ذكر أمر قارون وكان قارون بن يصهر بن قاهث وهو ابن عمّ موسى بن عمران بن قاهث وقيل‏:‏ كان عمّ موسى والأوّل أصحّ وكان عظيم المال كثير الكنوز قيل‏:‏ إن مفاتيح خزائنه كانت تحمل على أربعين بغلًا فبغى على قومه بكثرة ماله فوعظوه ونهوه وقالوا له ما قصّ الله تعالى في كتابه‏:‏ ‏{‏لا تفرح إن الله لايحبّ الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 76 - 77‏]‏‏.‏ فأجابهم جواب مغترّ لحلم الله عنه فقال‏:‏ إنما أوتيته يعني المال والخزائن على علم عندي قيل على خبر ومعرفة مني وقيل‏:‏ لولا رضى الله عني ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا فلم يرجع عن غيّه ولكنّه تمادى في طغيانه حتى ‏{‏خرج على قومه في زينته‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 79‏]‏‏.‏ وهي أنه ركب برذونًا أبيض بمراكب الأرجوان المذهبّة وعليه الثياب المعصفرة وقد حمل معه ثلاثمائة جارية على مثل برذونه وأربعة آلاف من أصحابه وبنى داره وضرب عليها صفائح الذهب وعمل لهابابًا من ذهب فتمنى أهل الغفلة والجهل مثل ماله فنهاهم أهل العلم بالله‏.‏

وأمره الله تعالى بالزكاة فجاء إي موسى من كلّ ألف دينار دينار وعلى هذا من كلّ ألف شيء شيء فلمّا عاد إلى بيته وجده كثيرًا فجمع نفرًا يثق بهم من بني إسرائيل فقال‏:‏ إنّ موسى أمركم بكلّ شيء فأطعتموه وهو الآن يريد أخذ أموالكم فقالوا‏:‏ أنت كبيرنا وسيّدنا فمرنا بما شئت فقال‏:‏ آمركم أن تحضروا فلانة البغيّ فتجعلوا لها جُعلًا فتقذفه بنفسها ففعلوا ذلك فأجابتهم إليه‏.‏

ثمّ أتى موسى فقال‏:‏ إنّ قومك قد اجتمعوا لك لتأمرهم وتنهاهم فخرج إليهم فقال‏:‏ من سرق قطعناه ومن افترى جلدناه ومن زنى وليس له امرأة جلدناه مائة جلدة وإن كان له امرأة رجمناه حتى يموت فقال له قارون‏:‏ وإن كنت أنت فقال‏:‏ نعم قال‏:‏ فإنّ بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة فقال‏:‏ ادعوها فإن قالت فهو كما قالت‏.‏

فلما جاءت قال لها موسى‏:‏ أقسمت عليك بالذي أنزل التوراة إلا صدقت‏:‏ أنا فعلتُ بك ما يقول هؤلاء قالت‏:‏ لا كذبوا ولكن جعلوا لي جعلًا على أن أقذفك فسجد ودعا عليهم فأوحى الله إليه‏:‏ مُرِ الأرض بما شئت تطعك فقال‏:‏ يا أرض خذيهم‏.‏ وقيل‏:‏ إنّ هذا الأمر بلغ موسى فدعا الله تعالى عليه فأوحى الله إليه‏:‏ مُر الأرض بما شئت تطعك فجاء موسى إلى قارون فلما دخل عليه عرف الشر في وجهه فقال له‏:‏ يا موسى ارحمني فقال موسى‏:‏ يا أرض خذيهم فاضطربت داره وساخت بقارون وأصحابه إلى الكعبين وجعل يقول‏:‏ يا موسي ارحمني قال‏:‏ يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى ركبهم فلم يزل يستعطفه وهو يقول‏:‏ يا أرض خذيهم حتى خسف بهم فأوحى الله إلى موسى‏:‏ ما أفظّك أما وعزّتي لو إيّاي نادى لأجبته ولا أعيد الأرض تُطيع أحدًا أبدًا بعدك فهو يخسف به كلّ يوم فلما أنزل الله نقمته حمد المؤمنون الله وعرف الذين تمنّوا مكانه بالأمس خطأ أنفسهم واستغفروا وتابوا‏.‏

ذكر من ملك من الفرس بعد منوجهر لما هلك منوجهر ملك فارس سار أفراسياب بن فشنج بن رستم ملك الترك إلى مملكة الفرس واستولى عليهم وسار إلى أرض بابل وأكثر المقام بها وبمهرجا نقذق وأكثر الفساد في مملكة فارس وعظم ظلمه وأخرب ما كان عامرًا ودفن الأنهار والقنى وقحط النّاس سنة خمس من ملكه إلي زن خرج عن مملكة فارس ولم يزل النّاس منه فيزعظم البليّة إلى أن ملك زوّ بن طهماسب وكان منوجهر قد سخط على ولده طهماسب ونفاه عن بلاده فأقام في بلاد الترك عن ملك لهم يقال له وامن وتزوّج ابنته فولدت له زوّ بن طهماسب وكان المنجّمون قد قالوا لأبيها‏:‏ إن ابنته تلد ولدًا يقتله فسجنها فلمّا تزوّجها طهماسب وولدت منه كتمت أمرها وولدها ثمّ إنّ منوجهر رضي عن طهماسب وأحضره إليه فاحتال في إخراج زوجته وابنه زوّ من محبسهما فوصلت رليه ثمّ إنّ زوًّا فيما ذكر قتل جدّه وأمّن في بعض الحروب الترك وطرد أفراسياب التركي عن مملكة فارس حتى ردّه إلى الترك بعد حروب جرت بينهما فكانت غلبة أفراسياب على أقاليم بابل ومملكة الفرس اثنتي عشرة سنة من لدن توفّي منوجهر إلى أن أخرجه عنها زوّ وكان إخراجه عنها في روزابن من شهر ابان ماه فاتخذه لهم هذا اليوم عيدًا وجعلوه الثالث لعيديهم النوروز والمهرجان‏.‏

وكان زوّ محمودًا في ملكه محسنًا إلى رعيّته فأمر بإصلاح ما كان أفراسياب أفسده من مملكتهم وبعمارة الحصون وإخراج المياه اليت غوّر طرقها حتى عادت البلادُ إلى أحسن ما كانت ووضع عن الناس الخراج سبع سنين فعمرت البلاد في ملكه وكثرت المعايش واستخرج بالسواد نهرًا وسمّاه الزاب وبنى عليه مدينة وهي التي تسمّى العتيقة وجعل لها طسّوج الزاب الأعلي وسسّوج الزاب الأوسط وطسوج الزاب الأسفل وكان أوهل من اتخذ ألوان الطبيخ أمر بها وكان جميع ملكه إلى أن انقضت مدّته ثلاث سنين وكان كرشاسب بن أنوط وزيره في ملكه ومعينه فيه وقيل‏:‏ كان شريكه في الملك والزوّل أصحّ وكان عظيم الشأن في فارس إلا أنّه لم يملك‏.‏

ذكر ملك كيقباذ ثمّ ملك بعد زوّ كيقباذ بن راع بن ميسرة بن نوذر بن منوجهر وقدّر مياه الأنهاروالعيون لشرب الأرض وسمى البلاد بأسمائها وحدّها بحدودها وكوّر الكور وبيّن حيّز كلّ كورة وأخذ العشر من غلاّتها لأرزاق الجند وكان - فيما ذكر كيقباذ حريصًا علي عمارة البلاد ومنعها من العدوّ كثير الكنوز وقيل‏:‏ إنّ الملوك الكيانيّة وأبناءهم من نسله وجرت بينه وبين الترك حروب كثيرة فكان مقيمًا بالقرب من نهر بلخ وهو جيحون لمنع الترك من تطرّق شيء من بلاده وكان ملكه مائة سنة‏.‏

ذكر الأحداث في بني إسرائيل في عهد زوّ وكيقباذ ونبوة حزقيل لما توفي يوشع بن نون قام بأمر بني إسرائيل بعده كالب بن يوفنّا ثمّ حزقيل بن نورى وهو الذي يقال له ابن العجوز وإنما قيل له ذلك لأنّ أمّه سألت الله الولد وقد كبرت فوهبه الله لها وهو الذي دعا للقوم الموتى فأحياهم الله‏.‏

وكان سبب ذلك‏:‏ أنّ قرية يقال لها راوردارة وقع بها الطاعون فهرب عامّة أهلها ونزلوا ناحية فهلك أكثر من بقي بالقرية وسلم الآخرون فلمّا ارتفع الطاعون رجعوا فقال الذين بقوا‏:‏ أصحابنا هولاء كانوا أحزم منّا ولو صنعنا كما صنعوا بقينا فوقع الطاعون من قابل فهرب عامّة أهلها وهم بضعة وثلاثون ألفًا وقيل‏:‏ ثلاثة آلاف وقيل‏:‏ أربعة آلاف وقيل غير ذلك حتي نزلوا ذلك المكان فصاح بهم ملك فماتوا ونخرت عظامهم فمرّ بهم حزقيل فلمّا رآهم جعل يتفكر في بعثهم فأوحى الله إليه‏:‏ أتريد أن أريك كيف أحييهم قال‏:‏ نعم فقيل‏:‏ ناد فنادى‏:‏ يا أيتها العظام البالية إنّ الله يأمرك أن تجتمعي فجعلت العظام تطير بعضها إلى بعض حتى صارت أجسادًا من عظام ثم نادى‏:‏ يا أيتها العظام إن الله أمرك أن تكتسي فألبست لحمًا ودمًا وثيابها التي ماتت فيها ثم نادى‏:‏ يا أيتها الأرواح‏!‏ إن الله يأمرك أن تعودي إلى أجسادك فعادت وقامت الأجساد أحياء وقالوا‏:‏ حين أحيوا سبحانك ربنا وبحمدك لا إله إلا أنت فرجعوا إلى قومهم أحياء يعرفون انهم كانوا موتى سحنة الموت على وجوههم لا يلبسون ثوبا الا عاد كفنا دسما ثم ماتوا ثم مات حزقيل ولم تذكر مدته في بني إسرائيل وقيل‏:‏ كانوا قوم حزقيل فلما أن ماتوا بكى حزقيل وقال يا رب كنت في قوم يعبدونك ويذكرونك فبقيت وحيدا فقال الله أتحب أن أحييهم قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فإني قد جعلت حياتهم إليك فقال حزقيل‏:‏ أحيوا بإذن الله تعالى فعاشوا‏.‏

ذكر إلياس عليه السلام لما توفي حزقيل كثرت الأحداث في بني إسرائيل وتركوا عهد الله وعبدوا الأوثان فبعث اللهم اليهم إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العزار بن هرون بن عمران نبيًا وكان الأنبياء في بني إسرائيل بعر موسى بن عمران يبعثون بتجديد ما نسوا من التوراة وكان إلياس مع ملك من ملوكهم يقال له أخاب وكان يسمع منه ويصدقه وكان إلياس يقيم له أمره وكان بنو إسرائيل قد اتخذوا صنمًا يعبدونه يقال له‏:‏ بعل فجعل إلياس يدعوهم إلى الله وهم لا يسمعون إلا من ذلك الملك وكان ملوك بني إسرائيل متفرقة كل ملك قد تغلب على ناحية يأكلها فقال ذلك الملك الؤي كان إلياس معه والله ما أرى الذي تدعو إليه إلا باطلًا لأني فلانا وفلانا يعد ملوك بني إسرائيل قد عبدوا الأوثان فلم يضرهم ذلك شيئًا يأكلون ويشربون ويتمتعون ما ينقص ذلك من ديارهم وما نري لنا عليهم من فضل ففارقه إلياس وهو يسترجع فعبد ذلك الملك الأوثان أيضًا‏.‏وكان للملك جار صالح مؤمن يكتم إيمانه وله بستان إلى جانب دار الملك والملك يحسن جواره وللمك زوجة عظيمة الشر والكفر فقالت له ليأخذ بستان الرجل فلم يفعل فكانت تخلف زوجها عئيمة الشر والكفر فقالت له ليأخذ بستان الرجل فلم يفعل فكانت تخلف زوجها إذا سار عن بلده وتظهر للناس فغاب مرة فوضعت إمرأته على صاحب البستان من شهد عليه أنه سب الملك فقتلته وأخذت بستانه فلما عاد الملك غضب من ذلك واستعظمه وأنكره فقالت‏:‏ فات أمره فأوحى الله إلى إلياس يأمره أن يقول للملك وامرأته أن يرد البستان على ورثة صاحبه فإن لم يفعلا غضب عليهما وأهلكهما في البستان ولم يتمتعا به إلا قليلا فأخبرهما إلياس بذلك فلم يراجعا الحق‏.‏

فلما رأى إلياس أن بني إسرائيل قد أبوا إلا الكفر والظلم دعا عليهم فأمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين فهلكت الماشية والطيور والهوامّ والشجر وجهد الناس جهدًا شديدًا واستخفى إلياس خوفًا من بني إسرائيل فكان يأتيه رزقه ثم أنه أوى ليلة إلى أمرأة من بني إسرائيل لها ابن يقال له اليسع بن أخطوب - به ضر شديد فدعا له فعوفى من الضر الذي كان به واتبع إلياس وكان معه وصحبه وصدقه وكان إلياس قد كبر فأوحى الله إليه إنك قد أهلكت كثيرًا من الخلق من البهائم والدواب والطير وغيرها ولم يعص سوى بني إسرائيل فقال إلياس‏:‏ أي رب‏:‏ دعني أكن أنا الذي أدعو لهم وأبتهج بالفرج لعلهم يرجعون فجاء إلياس إليهم وقال لهم‏:‏ انكم قد هلكتم وهلكت الدواب بخطاياكم فإن أحببتم أن تعلموا أن الله ساخط عليكم بفعلكم وأن الذي أدعوكم إليه هو الحق فاخرجوا باصنامكم وادعوها فان استجابت لكم فذلك الحق كما تقولون وان هي لم تفعل علمتم أنكم على باطل فنزعتم ودعوت الله ففرّج عنكم قالوا أنصفت فخرجوا بأصنامهم فدعوها فلم يستجب لهم ولم يفرح عنهم فقالوا‏:‏ لإلياس انا قد هلكنا فادع الله لنا فدعا لهم بالفرج وان يسقوا فخرجت سحابة مثل الترس وعظمت وهم ينظرون ثم أرسل الله منها المطر فحييت بلادهم وفرج الله عنهم ما كانوا فيه من البلاء فلم ينزعوا ولم يراجعوا الحق فلما رأى ذلك إلياس سأل الله أن يقبضه فيريحه منهم فكساه الله الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المعطعم والمشرب فصار ملكيًا إنسيًا سماويًا أرضيًا وسلط الله على الملك وقومه عدوًا فظفر بهم وقتل الملك وزوجته بذلك البستان وألقاهما فيه حتى بليت لحومهما‏.‏

ذكر نبوّة اليسوع عليه السلام وأخذ التابوت من بني إسرائيل فلمّا انقطع إلياس عن بني إسرائيل بعث الله أليسع فكان فيهم ما شاء اللّه ثمّ قبضه الله وعظمت فيهم الزحداث وعندهم التابوت يتوارثونه فيه السكينة وبقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة فكانوا لا يلقاهم عدوّ فيقدّمون التابوت إلاّ هزم الله العدوّ وكانت السكينة شبه رأس هر فإذا صرخت في التابوت بصراخ هرّ أيقنوا بالنصر وجاءهم الفتح ثمّ خلف فيها ملك يقال له إيلاف وكان الله يمنعهم ويحميهم فلمّا عظمت أحداثهم نزل بهم عدوّ فخرجوا إليه وأحرجوا التابوت فاقتتلوا فغلبهم عدوّهم على التابوت وزخذه منهم وانهزموا فلمّا علم ملكهم أن التابوت أخذ مات كَمَدًا ودخل العدوّ أرضهم ونهب وسبى وعاد فمكثوا على اضطراب من أمرهم واختلاف وكانوا يتمادون أحيانًا في غيّهم فيسلّط الله عليهم من ينتقم منهم فإذا راجعوا التوبة كفّ الله عنهم شرّ عدوهم فكان هذا حالهم من لَدُن توفي يوشع بن نون إلى أن بعث الله اشمويل وملكهم طالوت وردّ عليهم التابوت‏.‏

وكانت مدّة ما بين وفاة يوشع الذي كان يلي أمر بني إسرائيل بعضها القضاة وبعضها الملوك وبعضها المتغلّبون إلى أن ثبت الملك فيهم ورجعت النبوّة إلى اشمويل أربعمائة سنة وستّين سنة‏.‏

فكان أوّل من سُلّط عليهم رجل من نسل لوط يقال له كوشان فقهرهم وأذلّهم ثماني سنين ثمّ أنقذهم من يده أخ لكالب الأصغر يقال له عتنيل فقال بأمرهم أربعين سنة‏.‏

ثمّ سُلّط عليهم ملك يقال له عجلون فملكهم ثماني عشرة سنة ثم استنقذهم منه رجل من سبط بنيامين يقال له أهوذ وقام بزمرهم ثمانين سنة‏.‏

ثم سلط عليهم ملك من الكنعانيّين يقال له يابين فملكهم عشرين سنة واستنقذهم منه امرأة من بين أنبيائهم يقال لها دبورا ودبّر الأمر رجل من قبلها يقال له باراق أربعين سنة‏.‏

ثمّ سُلّط عليهم قوم من نسل لوط فملكوهم سبع سنين واستنقذهم رجل يقال له جدعون بن يواش من ولد نفتالي بن يعقوب فدبّر أمرهم أربعين سنة وتوفيّ ودبّر أمرهم بعده ابنه ابيمالخ ثلاث سنين ثمّ دبّرهم بعده فولع بن فوّا ابن خال ابيمالخ ويقال إنّه ابن عمّه ثلاثًا وعشرين سنة ثمّ دبّر أمرهم بعده رجل يقال له يائير اثنتين وعشرين سنة‏.‏

ثمّ ملكهم قوم من أهل فلسطين بني عمون ثماني عشرة سنة ثمّ قام بأمرهم رجل منهم يقال له يفتح ست سنين ثم دبّرهم بعده يبحسون سبع سنين ثمّ بعده آلون عشر سنين ثم بعده لترون ويسميه بعضهم عكرون ثماني سنين ثم قهرهم أهل فلسطين وملكوهم أربعين سنة ثمّ وليهم شمسون عشرين سنة ثمّ بقوا بعده عشر سنين بغير مدبّر ولا رئيس ثمّ قام بأمرهم بعد ذلك عالي الكاهن وفي أيامه غلب أهل فلسطين على التابوت في قول فلمّا مضى من وقت قيامه أربعون سنة بعث اشمويل نبيًا فدبرهم عشر سنين ثمّ سألوا اشمويل أن يبعث لهم ملكًا يقاتل بهم أعداءهم‏.‏كان من خبر اشمويل بن بالي أن بني إسرائيل لما طال عليهم البلاء وطمع فيهم الأعداء وأخذ التابوت منهم فصاروا بعده لا يلقون ملكًا إلا خائفين فقصدهم جالوت ملك الكنعانيين وكان ملكه ما بين مصر وفلسطين فظفر بهم فضرب عليهم الجزية وأخذ منهم التوراة فدعوا الله أن يبعث لهم نبيًا يقاتلون معه وكان سبط النبوّة هلكوا فلم يبق منهم غير امرأة حبلى فحبسوها في بيت خيفة أن تلد جارية فتبدّلها بغلام لما ترى من رغبة بني إسرائيل في ولدها فولدت غلامًا سمّته اشمويل ومعناه‏:‏ سمع الله دعائي‏.‏

وسبب هذه التسمية أنها كانت عاقرًا وكان لزوجها امرأة أخرى قد ولدت له عشرة أولاد فبغت عليها بكثرة الزولاد فانكسرت العجوز ودعت الله أن يرزقها ولدًا فرحم الله انكسارها وحاضت لوقتها وقرب منها زوجها فحملت فلما انقضت مدة الحمل ولدت غلامًا فسمّته اشمويل فلما كبر أسلمته في بيت المقدس يتعلم التوراة وكفله شيخ ن علمائهم وتبناه‏.‏

فلمّا بلغ أن يبعثه الله نبيًا أتاه جبرائيل وهو يصلي فناداه بصوت يشبه صوت الشيخ فجاء إليه فقال‏:‏ ما تريد فكره أن يقول لم أدعك فيفزع فقال‏:‏ ارجع فنم فرجع فعاد جبرائيل لمثلها فجاء إلى الشيخ فقال له‏:‏ يا بنيّ عُدْ فإذا دعوتك فلا تجبني فلمّا كانت الثالثة ظهر له جبرائيل وأمره بإنذار قومه وأعلمه أن الله بعثه رسولًا فدعاهم فكذبوه ثم أطاعوه وأقام يدبّر زمرهم وكان العمالقة مع ملكهم جالوت قد عظمت نكايتهم في بني إسرائيل حتى كادوا يُهلكونهم فلما رأى بنو إسرائيل ذلك قالوا‏:‏ ‏{‏ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 246‏]‏‏.‏

فدعا الله فأرسل إليه عصًا وقرنًا فيه دهن وقيل له‏:‏ إنّ صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا وإذا دخل عليك رجل فنشّ الدّهن الذي في القرن فهو ملك بني إسرائيل فادهن رأسه به وملّكه عليهم فقاسوا أنفسهم بالعصا فلم يكونوا مثلها وكان طالوت دبّاغًا وقيل‏:‏ كان سقّاء يسقي الماء ويبيعه فضلّ حماره فانطلق يطلبه فلمّا اجتاز بالمكان الذي فيه اشمويل دخل يسأله أن يدعو له ليردّ الله حماره فلما دخل نشّ الدهن فقاسوه بالعصا فكان مثلها فـ ‏{‏قال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكًا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 247‏]‏‏.‏ وهو بالسريانية شاول بن قيس بن أنمار بن ضرار بن يحرف ابن يفتح بن ايش بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق فقالوا له‏:‏ ما كنت قط أكذب منك الساعة ونحن من سبط المملكة ولم يؤت طالوت سعة من المال فنتبعه‏.‏

فقال اشمويل‏:‏ ‏{‏إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 247‏]‏‏.‏ فقالوا‏:‏ إن كنت صادقًا فأتِ بآية فقال‏:‏ ‏{‏إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 248‏]‏‏.‏ والسكينة رأس هرّ وقيل طشت من ذهب يغسل فيها قلوب الأنبياء وقيل غير ذلك وفيه الألواح وهي من درّ وياقوت وزبرجد وأما البقية فهي عصا موسى ورضاضة الألواح فحملته الملائكة وأتت به إلى طالوت نهارًا بين السماء والأرض والناس ينظرون فزخرجه طالوت إليهم فأقروا بملكه ساخطين وخرجوا معه كارهين وهم ثمانون ألفًا فلمّا خرجوا قال لهم طالوت‏:‏ ‏{‏إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 249‏]‏‏.‏ وهو نهر فلسطين وقيل‏:‏ الأردن فشربوا منه إلا قليلًا وهم أربعة آلاف فمن شرب منه عطش ومن لم يشرب منه إلا غرفة روي ‏{‏فلمّا جاوزه هو والذين آمنوا معه‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 249‏]‏‏.‏ لقيهم جالوت وكان ذا بأس شديد فلما رأوه رجع أكثرهم و ‏{‏قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 249‏]‏‏.‏ ولم يبق معه غير ثلاثمائة وبضعة عشر عدد أهل بدر فلمّا رجع من رجع قالوا‏:‏ ‏{‏كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 249‏]‏‏.‏

وكان فيهم إيشى أبو داود ومعه من أولاده ثلاثة عشر ابنًا وكان داود أصغر بنيه وقد خلفه يرعى لهم ويحمل لهم الطعام وكان قد قال لأبيه ذات يوم‏:‏ يا أبتاه ما أرمي بقذافتي شيئًا إلاّ صرعته ثم قال له‏:‏ لقد دخلتُ بين الجبال فوجدت أسدًا رابضًا فركبتُ عليه وأخذت بأذنيه فلم أخفه ثمّ أتاه يومًا آخر فقال‏:‏ إني لأمشي بين الجبال فأسبح فلا يبقى جبل إلا سبّح معي قال له‏:‏ أبشر فإنّ هذا خير أعطاكه الله‏.‏

فأرسل الله إلى النبيّ الذي مع طالوت قرنًا فيه دهن وتنّور من حديد فبعث به إلى طالوت وقال له‏:‏ إنّ صاحبكم الذي يقتل جالوت يوضع هذا الذهن على رأسه فيغلي حتى يسيل من القرن ولا يجاوز رأسه إلى وجهه ويبقي على رأسه كهيئة الإكليل ويدخل في هذا التنّور فيملأه فدعا طالوت بني إسرائيل فجرّبهم فلم يوافقه منهم أحد فأحضر داود من رعيه فمرّ في طريقه بثلاثة أحجار فكلّمته وقلن‏:‏ خذنا يا داود تقتل بنا جالوت فأخذهن فجعلهنّ في مخلاته وكان طالوت قد قال‏:‏ من قتل جالوت زوجته ابنتي وأجريت خاتمه في مملكتي‏.‏

فلمّا جاء داود وضعوا القرن على رأسه فغلى حتى ادّهن منه ولبس التنّور فملأه وكان داود مسقامًا أزرق مصفارًا فلمّا دخل في التنور تضايق عليه حتى ملأه وفرح اشمويل وطالوت وبنو إسرائيل بذلك وتقدّموا إلى جالوت وتصافّوا للقتال وخرج داود نحو جالوت وأخذ الأحجار ووضعها في قذافته ورمى بها جالوت فوقع الحجر بين عينيه فنقب رأسه فقتله ولم يزل الحجر يقتل كلّ من أصابه ينفذ منه إلى غيره فانهزم عسكر جالوت بإذن الله ورجع طالوت فأنكح ابنته داود وأجرى خاتمه في ملكه فمال النّاس إلى داود وأحبّوه‏.‏فحسده طالوت وأراد قتله غِيلةً فعلم ذلك داود ففارقه وجعل في مضجعه زقّ خمر وسجّاه ودخل طالوت إلى منام داود وقد هرب داود فضرب الزقّ ضربة خرقه فوقعت قطرة من الخمر في فيه فقال‏:‏ يرحم الله داود ما كان أكثر شربه الخمر فلما أصبح طالوت علم أنه لم يصنع شيئًا فخاف داود أن يغتاله فشدّد حجابه وحرّاسه‏.‏

ثمّ إنّ داود أتاه من المقابلة في بيته وهو نائم فوضع سهمين عند رأسه وعند رجليه فما استيقظ طالوت بصر بالسهام فقال‏:‏ يرحم الله داود هو خير مني ظفرتُ به وأردتُ قتله وظفر بي فكف عني وأذكى عليه العيون فلم يظفروا به‏.‏

وركب طالوت يومًا فرأى داود فركض في أثره فهرب داود منه واختفى في غار في الجبل فعمّى الله أثره على طالوت ثمّ إن طالوت قتل العلماء حتى لم يبق أحد إلا امرأة كانت تعرف اسم الله الأعظم فسلمها إلى رجل يقتلها فرحمها وتركها وأخفى أمرها‏.‏

ثم إنّ طالوت ندم وأراد التوبة وأقبل على البكاء حتى رحمه الناس فكان كلّ ليلة يخرج إلى القبور فيبكي ويقول‏:‏ أنشد الله عبدًا علم لي توبة إلا أخبرني بها فلما أكثر ناداه مناد من القبور‏:‏ يا طالوت أما رضيت قتلتنا أحياء حتى تؤذينا أمواتًا فازداد بكاء وحزنًا فرحمه الرجل الذي أمره بقتل تلك المرأة فقال له‏:‏ إن دللتك علي عالم لعلك تقتله قال‏:‏ لا فزخذ عليه العهود والمواثيق ثمّ أخبره بتلك المرأة فقال‏:‏ سلها هل لي من توبة فحضر عندها وسألها هل به من توبة فقالت‏:‏ ما أعلم له من توبة ولكن هل تعلمون قبر نبيّ قالوا‏:‏ نعم قبر يوشع بن نون فانطلقت وهم معها فدعت فخرج يوشع فلمّا رآهم قال‏:‏ مالكم قالوا‏:‏ جئنا نسألك هل لطالوت من توبة قال‏:‏ ما أعلم له توبة إلا أن يتخلى من ملكه ويخرج هو وولده فيقاتلوا في سبيل الله حتى تقتل أولاده ثمّ يقاتل هو حتي يقتل فعسى أن يكون له توبة ثم سقط ميتًا ورجع طالوت أحزن مما كان يخاف أن لا يتابعه ولده فبكى حتى سقطت أشفار عينيه ونحل جسمه فسأله بنوه عن حاله فأخبرهم فتجهزوا للغزو فقاتلوا بين يديه حتى قتلوا ثم قاتل هو بعدهم حتى قتل‏.‏

وقيل‏:‏ إن النبيّ الذي بعث لطالوت حتى أخبره بتوبته أليسع وقيل‏:‏ اشمويل والله أعلم‏.‏

وكانت مدّة ملك طالوت إلى أن قتل أربعين سنة‏.‏

ذكر ملك داود هو داود بن إيشي بن عويد بن باعز بن سلمون بن نحشون بن عمّي نوذب بن رام بن حصرون بن فارض بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق وكان قصيرًا أزرق قليل الشعر فلما قتل طالوت أتى بنو إسرائيل داود فأعطوه خزائن طالوت وملّكوه عليهم وقيل‏:‏ إن داود ملك قبل أن يُقتل جالوت وسبب ملكه حينئذٍ أن الله أوصى إلى اشمويل ليأمر طالوت بغزو مدين وقتل من بها فسار إليها وقتل من بها رلا ملكهم فإنه أخذه أسيرًا فأوحى الله إلى اشمويل‏:‏ قل لطالوت آمرك بأمر فتركته لأنزعن الملك منك ومن بنيك ثمّ لا يعود فيكم إلى يوم القيامة وأمر اشمويل بتمليك داود فملّكه وسار إلى جالوت فقتله والله أعلم‏.‏

فلما ملك بني إسرائيل جعله الله نبيًّا وملكًا وأنزل عليه الزبور وعلمه صنعة الدروع وهو أول من عملها وألان له الحديد وأمر الجبال والطير يسبحون معه إذا سبح ولم يعط الله أحدًا مثل صوته كان إذا قرأ الزبور تدنو الوحوش حتى يأخذ بأعناقها وإنها لمصيخة تسمع صوته‏.‏

وكان شديد الاجتهاد كثير العبادة والبكاء وكان يقوم الليل ويصوم نصف الدهر وكان يحرسه كل يوم وليلة أربعة آلاف وكان يزكل من كسب يده‏.‏

وفي ملكه مسخ أهل أيلة قردة وسبب ذلك أنهم كانوا تزتيهم يوم السبت حيتان البحر كثيرًا فإذا كان غير يوم السبت لا يجيء إليهم منها شيء فعملوا على جانب البحر حياضًا كبيرة وأجروا إليها الماء فإذا كان آخر نهار يوم الجمعة فتحوا الماء إلى الحياض فتدخلها الحيتان ولا تقدر على الخروج عنها فيأخذونها يوم الأحد فنهاهم بعض أهلها فلم ينتهوا فمسخهم الله قردة وبقوا ثلاثة أيام وهلكوا‏.‏ثم إن الله ابتلاه بزوجة أوريا وكان سبب ذلك أنه قد قسم زمانه ثلاثة أيام يومًا يقضي فيه بين الناس ويومًا يخلوا فيه للعبادة ويومًا يخلو فيه مع نسائه وكان له تسع وتسعون امرأة وكان يحسد فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب‏:‏ أي ربيّ أرى الخير قد ذهب به آبائي فأعطني مثل ما أعطيتهم فأوحى الله إليه‏:‏ إن آباءك ابتلوا ببلاء فصبروا ابتلي إبراهيم بذبح ابنه وابتلي إسحاق بذهاب بصره وابتلي يعقوب بحزنه على يوسف فقال‏:‏ ربّ ابتلني بمثل ما ابتليتهم وأعطني مثل ما أعطيتهم فأوحى الله إليه‏:‏ إنك مبتلىً فاحترس‏.‏

وقيل‏:‏ كان سبب البليّة أنه حدّث نفسه أنه يطيق أن يقطع يومًا بغير مقارفة سوء فلما كان اليوم الذي يخلو فيه للعبادة عزم على أن يقطع ذلك اليوم بغير سوء وأغلق بابه وأقبل على العبادة فإذا هو بحمامة من ذهب فيها كل لون حسن قد وقعت بين يديه فأهوى ليأخذها فطارت غير بعيد من غير أن ييأس من أخذها فما زال يتبعها وهي تفرّ منه حتى أشرف على امرأة تغتسل فأعجبه حسنها فلما رأت ظلّه في الأرض جلّلت نفسها بشعرها فاستترت به فزاده ذلك رغبةً فسأل عنها فأخبر أن زوجها بثغر كذا فبعث إلى صاحب الثغر بأن يقدّم أوريا بين يدي التابوت في الحرب وكان كل من يتقدّم بين يدي التابوت لا ينهزم إمّا أن يظفر أو يقتل ففعل ذلك به فقُتل‏.‏وقيل‏:‏ إنّ داود لما نظر إلى المرأة فأعجبته فسأل عن زوجها فقيل‏:‏ إنّه في جيش كذا فكتب إلى صاحب الجيش أن يبعثه في سريّة إلى عدوّ كذا ففعل ذلك ففتح الله عليه فكتب إلى داود فأمر داود أن يرسل أيضًا إلى عدوّ كذا أشدّ منه ففعل فظفر فأمر داود أن يرسل إلى عدوّ ثالث ففعل فقتل أوريا في المرّة الثالثة فلمّا قتل تزوج داود امرأته وهي أم سليمان في قول قتادة‏.‏

وقيل‏:‏ إن خطيئة داود كانت أنه لما بلغه حسن امرأة أوريا تمنّى أن تكون له حلالًا فاتفق أن أوريا سار إلى الجهاد فقتل فلم يجد له من الهم ما وجده لغيره فبينما داود في المحراب يوم عبادته وقد أغلق الباب إذ دخل عليه ملكان أرسلهما الله إليه من غير الباب فراعه ذلك فقالا‏:‏ ‏{‏لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزَّني في الخطاب‏}‏ ‏[‏ص‏:‏ 22‏:‏ 23‏]‏‏.‏ أي قهرني وأخذ نعجتي فقال للآخر‏:‏ ما تقول قال‏:‏ صدق إني أردت أن أُكمل نعاجي مائة فزخذت نعجته فقال داود‏:‏ إذًا لا ندعك وذاك فقال الملك‏:‏ ما أنت بقادر عليه قال داود‏:‏ فإن لم تردّ عليه ماله ضربنا منك هذا وهذا وأومأ إلى أنفه وجبهته قال‏:‏ يا داود أنت أحقّ أن يُضرب منك هذا وهذا حيث لك تسع وتسعون امرأة ولم يكن لأوريا إلاّ امرأة واحدة فلم تزل به حتى قتل فعرف ما ابتلي به وما وقع فيه فخرّ ساجدًا أربعين يومًا لا يرفع رأسه إلا لحاجة لا بدَّ منها وأدام البكاء حتى نبت من دموعه عشب غطى رأسه ثمّ نادى‏:‏ ياربّ قرح الجبين وجمدت العين وداود لم يرجع إليه في خطيئته بشيء فودي‏:‏ أجائع فتطعم أم مريض فتشفى أم مظلوم فتنصر قال‏:‏ فنحب نحبةً هاج ما كان نبت فعند ذلك قبل الله توبته وأوحى إليه‏:‏ ارفع رأسك فقد غفرتُ لك قال‏:‏ يا ربّ كيف أعلم أنك قد غفرت لي وأنت حكم عدل لا تحيف في القضاء إذا جاء أوريا يوم القيامة آخذًا رأسه بيمينه تشخب أوداجه دمًا قبل عرشك يقول‏:‏ يا ربّ سلْ هذا فيم قتلني فأوحى الله إليه‏:‏ إذا كان ذلك دعوته وأستوهبك منه فيهبك لي فأهبه بذلك الجنة قال‏:‏ يا ربّ الآن علمت أنك قد غفرت لي‏.‏

قال‏:‏ فما استطاع داود بعدها أن يملأ عينه من السماء حياء من ربه حتى قبض ونقش خطيئته في يده فكان إذا رأها اضطربت يده وكان يؤتى بالشراب في الإناء ليشربه فكان يشرب نصفه أو ثلثيه فيذكر خطيئته فينتحب حتى تكاد مفاصله يزول بعضها من بعض ثمّ يملأ الإناء من دموعه وكان يقال‏:‏ إنّ دمعة داود تعدل دموع الخلائق وهو يجيء يوم القيامة وخطيئته مكتوبة بكفّه فيقول‏:‏ يا ربّ ذنبي ذنبي قدِّمني فيقدَّم فلا يأمن فيقول‏:‏ يا ربّ أخرني فلا يأمن‏.‏وأزالت الخطيئة طاعة داود عن بني إسرائيل واستخفّوا بأمره ووثب عليه ابن له يقال له إيشي وأمّه ابنة طالوت فدعا إلى نفسه فكثر أتباعه من أهل الزيغ من بني إسرائيل فلمّا تاب الله على داود اجتمع إليه طائفة من الناس فحارب ابنه حتى هزمه ووجّه إليه بعض قوّاده وأمره بالرفق به والتلطف لعله يأسره ولا يقتله وطلبه القائد وهو منهزم فاضطره إلى شجرة فقتله فحزن عليه داود حزنًا شديدًا وتنكّر لذلك القائد‏.‏

ذكر بناء بيت المقدس ووفاة داود عليه السلام قيل‏:‏ أصاب النّاس في زمان داود طاعون جارف فخرج بهم إلى موضع بيت المقدس وكان يرى الملائكة تعرج منه إلى السماء فلهذا قصده ليدعو فيه فلمّا وقف موضع الصخرة دعا الله تعالى في كشف الطاعون عنهم فاستجاب له ورفع الطاعون فاتخذوا ذلك الموضع مسجدًا وكان الشروع في بنائه لإحدى عشرة سنة مضت من ملكه وتوفي قبل أن يستتمّ بناءه وأوصى إلى سليمان بإتمامه وقتل القائد الذي قتل أخاه إيشي بن داود‏.‏

فلّما توفي داود ودفنه سليمان تقدّم بإنفاذ أمره فقتل القائد واستتم بناء المسجد بناه بالرخام وزخرفه بالذهب ورصعه بالجواهر وقوي على ذلك جميعه بالجنّ والشياطين فلمّا فرغ اتخذ ذلك اليوم عيدًا عظيمًا وقرّب قربانًا فتقبّله الله منه وكان ابتداؤه أوّلًا ببناء المدينة فلمّا فرغ منها ابتدأ بعمارة المسجد وقد أكثر الناس في صفة البناء مما يستبعد ولا حاجة إلى ذكره‏.‏

وقيل‏:‏ إنّ سليمان هو الذي ابتدأ بعمارة المسجد وكان داود أراد أن يبنيه فأوحى الله إليه‏:‏ إن هذا بيت مقدّس وإنك قد صبغت يدك في الدماء فلست ببانيه ولكن ابنك سليمان يبنيه لسلامته من الدماء فلمّا ملك سليمان بناه‏.‏

ثمّ إنّ داود توفي وكان له جارية تغلق الأبواب كل ليلة وتأتيه بالمفاتيح فيقوم إلى عبادته فأغلقتها ليلة فرأت في الدار رجلًا فقالت‏:‏ من أدخلك الدار فقال‏:‏ أنا الذي أدخل على الملوك بغير إذن فسمع داود قوله فقال‏:‏ أنت ملك الموت قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فهلاّ أرسلت إليّ لأستعدّ للموت قال‏:‏ قد أرسلتُ إليك كثيرًا قال‏:‏ من كان رسولك قال‏:‏ أين أبوك وأخوك وجارك ومعارفك قال‏:‏ ماتوا قال‏:‏ فهم كانوا رسلي إليك لأنك تموت كما ماتوا ثمّ قبضه فلمّا مات ورث سليمان ملكه وعلمه ونبوّته‏.‏

وكان له تسعة عشر ولدًا فورثه سليمان دونهم وكان عمر داود لما توفي مائة سنة صحّ ذلك عن النبي ـ النبي ـ صلى الله عليه وسلمـ ـ وكانت مدّة ملكه أربعين سنة‏.‏لما توفي داود ملك بعده ابنه سليمان على بني إسرائيل وكان ابن ثلاث عشرة سنة وآتاه مع الملك النبوّة وسأل الله أن يؤتيه ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده فاستجاب له وسخّر له الإنس والجنّ والشياطين والطير والريح فكان إذا خرج من بيته إلى مجلسه عكفت عليه الطير وقام له الإنس والجنّ حتى يجلس‏.‏

وقيل‏:‏ إنهما سخّر له الريح والجنّ والشياطين والطير وغير ذلك بعد أن زال ملكه وأعاده الله سبحانه إليه على ما نذكره‏.‏

وكان أبيض جسيمًا كثير الشعر يلبس البياض وكان أبوه يستشيره في حياته ويرجع إلى قوله فمن ذلك ما قصّه الله في كتابه في قوله‏:‏ ‏{‏وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 78‏]‏ الآية وكان خبره‏:‏ أنّ غنمًا دخلت كرمًا فزكلت عناقيده وأفسدته فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم فقال سليمان‏:‏ أو غير ذلك أن تسلّم الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها إلى أن يعود كرمه إلى حاله ثمّ يأخذ كرمه ويدفع الغنم إلى صاحبها فأمضى داود قوله وقال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏ففهّمناها سليمان وكلًا آتينا حكمًا وعلما‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 79‏]‏‏.‏

قال بعض العلماء‏:‏ في هذا دليل على أنّ كلّ مجتهد في الأحكام الفرعيّة مصيب فإن داود أخطأ وكان سليمان يأكل من كسب يده وكان كثير الغزو وكان إذا أراد الغزو أمر بعمل بساط من خشب يسع عسكره ويركبون عليه هم ودوابهم وما يحتاجون إليه ثمّ زمر الريح فحملته فسارت في غدوته مسيرة شهر وفي روحته كذلك وكان له ثلاثمائة زوجة وسبعمائة سرّيّة وأعطاه الله أجرًا أنّه لا يتكلّم أحد بشيء إلاّ حملته الريح إليه فيعلم ما يقول‏.‏

ذكر ما جرى له مع بلقيس نذكر أولًا ما قيل في نسبها وملكها ثمّ ما جرى له معها فنقول‏:‏ قد اختلف العلماء في اسم آبائها فقيل‏:‏ إنها هي بلقمة ابنة ليشرح بن الحارث بن قيس بن صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وقيل‏:‏ هي بلقمة ابنة هادد واسمه ليشرح بن تبّع ذي الأذعار بن تبّع ذي المنار بن تبّع الرايش وقيل في نسبها غير ذلك لا حاجة إلى ذكره‏.‏

وقد اختلف النّاس في التبابعة وتقديم بعضهم على بعض وزيادة في عددهم ونقصان اختلافًا لا يحصل الناظر فيه على طائل وكذا أيضًا اختلفوا في نسبها اختلافًا كثيرًا وقال كثير من الرواة‏:‏ إنّ أمّها جنّيّة ابنة ملك الجنّ واسمها رواحة بنت السكر وقيل‏:‏ اسم أمّها يلقمة بنت عمرو بن عمير الجنّيّ وإنّما نكح أبوها إلى الجنّ لأنّه قال‏:‏ ليس في الإنس لي كفوة فخطب إلى الجنّ واختلفوا في سبب وصوله إلى الجنّ حتى خطب إليهم فقيل‏:‏ إنّه كان لهجًا بالصيد فربّما اصطاد الجنّ على صور الظباء فيخلّي عنهنّ فظهر له ملك الجنّ وشكره علي ذلك واتخذه صديقًا فخطب ابنته فأنكحه على أن يعطيه ساحل البحر ما بين يبرين إلى عدن وقيل‏:‏ إنّ أباها خرج يومًا متصيّدًا فرأي حديتين تقتتلان بيضاء وسوداء وقد ظهرت السوداء على البيضاء فزمر بقتل السوداء وحمل البيضاء وصبّ عليها ماء فأفاقت فأطلقها وعاد إلى داره وجلس منفردًا وإذا معه شابّ جميل فذعر منه فقال له‏:‏ لا تخف أنا الحيّة التي أنجيتني والأسود الذي قتلته غلامٌ لنا تمرّد علينا وقتل عدّة من أهل بيتي وعرض عليه المال وعلم الطبّ فقال‏:‏ أمّا المال فلا حاجة لي به وأمّا الطبّ فهو قبيح بالملك ولكن إن كان لك بنت فزوّجنيها فزوّجه على شرط أن لا يغيّر عليها شيئًا تعمله ومتى غيّر عليها فارقته فأجابه إلى ذلك فحملت منه فولدت له غلامًا فألقته في النّار فجزع لذلك وسكت للشرط ثمّ حملت منه فولدت جارية فألقتها إلى كلبة فأخذتها فعظم ذلك عليه وصبر للشرط ثمّ إنّه عصي عليه بعضُ أصحابه فجمع عسكره فسار إليه ليقاتله وهي معه فانتهى إلي مفازة فلمّا توسّطها رأى جميع ما معهم من الزاد يخلط بالتراب وإذا الماء يُصبّ من القرب والمزاود فأيقنوا بالهلاك وعلموا أنّه من فعال الجنّ عن أمر زوجته فضاق ذرعًا عن حمل ذلك فأتاها وجلس وأومأ إلى الأرض وقال‏:‏ يا أرض صبرتُ لكِ على إحراق ابني وإطعام الكلبة إبنتي ثمّ أنتِ الآن قد فجعتنا بالزاد والماء وقد أشرفنا على الهلاك فقالت المرأة‏:‏ لو صبرت لكان خيرًا لك وسأخبرك‏:‏ إنّ عدوّك خدع وزيرك فجعل السمّ في الأزواد والمياه ليقتلك وأصحابك فمر وزيرك ليشرب ما بقي من الماء ويأكل من الزاد فأمره فامتنع فقتله ودلّتهم على الماء والميرة من قريب وقالت‏:‏ أما ابنك فدفعته إلى حاضنة تربيّه وقد مات وأمّا ابنتك فهي باقية وإذا بجويرية قد خرجت من الأرض وهي بلقيس وفارقته امرأته وسار إلى عدوّ فظفر به‏.‏

وقيل في سبب نكاحه إليهم غير ذلك والجميع حديث خرافة لا أصل له ولا حقيقة‏.‏

وأمّا ملكها اليمن فقيل‏:‏ إنّ أباها فوّض إليها الملك فملكت بعده وقيل‏:‏ بل مات عن غير وصيّة بالملك لأحد فأقام النّاس ابن أخ له وكان فاحشًا خبيثًا فاسقًا لا يبلغه عن بنت قيل ولا ملك ذات جمال إلاّ أحضرها وفضحها حتى انتهى إلى بلقيس بنت عمّه فأراد ذلك منها فوعدته أن يحضر عندها إلى قصرها وأعدّت له رجلين من أقاربها وأمرتهما بقتله إذا دخل إليها وانفرد بها فلما دخل إليها وثبا عليه فقتلاه فلما قتل أحضرت وزراءه فقرّعتهم فقالت‏:‏ أما كان فيكم من يزنف لكريمته وكرائم عشيرته ثمّ أرتهم إيّاه قتيلًا وقالت‏:‏ اختاروا رجلًا تملّكونه فقالوا‏:‏ لا وقيل‏:‏ إنّ أباها لم يكن ملكًا وإنما كان وزير الملك وكان الملك خبيثًا قبيح السيرة يأخذ بنات الأقيال والأعيان والأشراف وإنها قتلته فملّكها الناس عليهم‏.‏

وكذلك أيضًا عظموا ملكها وكثرة جندها فقيل‏:‏ كان تحت يدها أربعمائة ملك كلّ ملك منهم على كورة مع كلّ ملك منهم أربعة آلاف مقاتل وكان لها ثلاثمائة وزير يدبّرون ملكها وكان لا اثنا عشر قائدًا يقود كلّ قائد منهم اثني عشر ألف مقاتل‏.‏

وبالغ آخرون مبالغة تدلّ على سخف عقولهم وجهلهم قالوا‏:‏ كان لها اثنا عشر ألف قَيْل تحت يد كلّ قيل مائة ألف مقاتل مع كل مقاتل سبعون ألف جيش في كل جيش سبعون ألف مبارز ليس فيهم إلا أبناء خمس وعشرين سنة وما أظنّ الساعة راوي هذا الكذب الفاحش عرف الحساب حتى يعلم مقدار جهله ولو عرف مبلغ العدد لأقصر عن إقدامه على هذا القول السخيف فإن أهل الزرض لا يبلغون جميعهم شبابهم وشيوخهم وصبيانهم ونساؤهم هذا العدد فيكف أن يكونوا أبناء خمس وعشرين سنة فيا ليت شعري كم يكون غيرهم ممن ليس من أسنانهم وكم تكون الرعيّة وأرباب الحرف والفلاحة وغير ذلك وإنما الجند بعض أهل البلاد وإن كان الحاصل من اليمن قد قلّ في زماننا فإنّ رقعة أرضه لم تصغر وهي لا تسع هذا العدد قيامًا كلّ واحد إلى جانب الآخر‏.‏ثمّ إنهم قالوا‏:‏ أنفقت على كوة بيتها التي تدخل الشمس منها فتسجد لها ثلاثمائة ألف أوقية من الذهب و
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شموس
نجم المنتدى
شموس


عدد المساهمات : 5818
تاريخ التسجيل : 27/05/2009
العمر : 31
الموقع : avec mes rêves

ذكر وفاة موسى عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر وفاة موسى عليه السلام   ذكر وفاة موسى عليه السلام Icon_minitimeالأحد 04 يوليو 2010, 10:43 pm

جزاك الله خيرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بحر المودة
صاحب مكان
بحر المودة


عدد المساهمات : 1351
تاريخ التسجيل : 10/12/2009
العمر : 31
الموقع : every where & every time beside you

ذكر وفاة موسى عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر وفاة موسى عليه السلام   ذكر وفاة موسى عليه السلام Icon_minitimeالأحد 25 يوليو 2010, 10:46 pm



ذكر وفاة موسى عليه السلام 35
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ذكر وفاة موسى عليه السلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ذكر وفاة آدم عليه السلام
» نوح عليه السلام
» عيسى عليه السلام
» صالح عليه السلام
» قصة شعيب عليه السلام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المسيو و الشباب :: المنتدى الإسلامى :: نبذات عنهم-
انتقل الى: