أن آدم مرض أحد عشر يومًا وأوصي إلى ابنه شيث وأمره أن يخفي علمه عن قابيل وولده لأنه قتل هابيل حسدًا منه له حين خصّه آدم بالعلم فأخفى شيث وولده ما عندهم من العلم ولم يكن عند قابيل وولده علم ينتفعون به.
وقد روى أبو هريرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: قال الله تعالى لآدم حين خلقه: إئتِ أولئك النفر من الملائكة قل السلام عليكم فأتاهم فسلّم عليهم وقالوا له: عليك السلام ورحمة الله ثم رجع الى ربّه فقال له: هذه تحيّتك وتحية ذريتك بينهم ثم قبض له يديه فقال له: خذ واختر فقال: أحببت يمين ربي وكلتا يديه يمين ففتحها له فإذا فيها صورة آدم وذريته كلهم وإذا كل رجل منهم مكتوب عنده أجله وإذا آدم قد كتب له عمر ألف سنة وإذا كل رجل منهم مكتوب عنده أجله وإذا آدم قد كتب له عمر ألف سنة وإذا قوم عليهم النور فقال: يا رب من هؤلاء الذين عليهم النور فقال: هؤلاء الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الى عبادي وإذا فيهم رجل هو من أضوئهم نورًا ولم يكتب له من العمر إلا أربعون سنة فقال آدم: يا ربّ هذا من أضوئهم نورًا ولم تكتب له إلا أربعين سنة بعد أن أعلمه أنه داود عليه السلام فقال: ذلك ما كتبت له فقال: يا ربّ انقص له من عمري ستين سنة فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما أهبط الى الأرض كان يعدّ أيّامه فلما أتاه ملك الموت لقبضه قال له آدم: عجلت يا ملك الموت قد بقي من عمري ستون سنة فقال له ملك الموت: ما بقي شيء سألت ربّك أن يكتبه لابنك داود فقال: ما فعلت فقال النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : فنسي آدم فنسيت ذرّيته وجحد فجحدت ذرّيّته فحينئذٍ وضع الله الكتاب وأمر بالشهود.
وروي عن ابن عباس قال: لما نزلت آية الدين قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إنّ أول من جحد آدم ثلاث مرار وإن الله لما خلقه مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذار إلى يوم القيامة فجعل يعرضهم على آدم فرأى منهم رجلًا يزهر قال: أي ربّ أيّ بنيّ هذا قال: ابنك داود قال: كم عمره قال: ستون سنة قال: زده من العمر قال الله تعالى: لا إلا أن تزيده أنت وكان عمر آدم ألف سنة فوهب له أربعين سنة فكتب عليه بذلك كتابًا وأشهد عليه الملائكة فلما احتضر آدم أتته الملائكة لتقبض روحه فقال: قد بقي من عمري أربعون سنة قالوا: إنك قد وهبتها لابنك داود قال: ما فعلتُ ولا وهبتُ له شيئًا فأنزل الله عليه الكتاب وأقام الملائكة شهودًا فأكمل لآدم ألف سنة وأكمل لداود مائة سنة.
وروي مثل هذا عن جماعة منهم سعيد بن جبير وقال ابن عباس: كان عمر آدم تسعمائة سنة وستًّا وثلاثين سنة وأهل التوراة يزعمون أن عمر آدم تسعمائة سنة وثلاثون سنة والأخبار عن رسول الله والعلماء ما ذكرنا ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلم الخلق.وعلى رواية أبي هريرة التي فيها أنّ آدم وهب داود من عمره ستين سنة لم يكن كثير اختلاف بين الحديثين وما في التوراة سوى ما وهبه لداود.
قال ابن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه قال: بلغني أن آدم حين مات بعث الله بكفنه وحنوطه من الجنّة ثمّ وليت الملائكة قبره ودفنه حتى غيّبوه.
وروى أبي بن كعب عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (أن آدم حين حضرته الوفاة بعث الله إليه بحنوطه وكفنه من الجنّة فلما رأت حواء الملائكة ذهبت لتدخل دونهم فقال: خلّي عني وعن رسل ربي فما لقيت ما لقيت إلا منك ولا أصابني ما أصابني إلا فيك فلما قبض غسلوه بالسدر والماء وترًا وكفنوه في وتر من الثياب ثم لحدوا له ودفنوه ثم قالوا: هذه سنّة ولد آدم من بعده).
قال ابن عباس: لما مات آدم قال شيث لجبرائيل: صلّ عليه فقال: تقدّمْ أنت فصلّ على أبيك فكبّر عليه ثلاثين تكبيرة فأمّا خمس فهي الصلاة وأما خمس وعشرون فتفضيلًا لآدم.
وقيل: دفن في غار في جبل أبي قبيس يقال له غار الكنز وقال ابن عباس: لما خرج نوح من السفينة دفن آدم ببيت المقدس.
وكانت وفاته يوم الجمعة كما تقدّم وذكر أن حوّاء عشات بعده سنة ثمّ ماتت فدفنت مع زوجها في الغار الذي ذكرت إلى وقت الطوفان واستخرجهما نوح وجعلهما في تابوت ثم حملهما معه في السفينة فلما غاضت الأرض الماء ردّهما إلى مكانهما الذي انا فيه قبل الطوفان قال: وكانت حواء فيما ذكر قد غزلت ونسجت وعجنت وخبزت وعملت أعمال النساء كلها.
وإذ قد فرغنا من ذكر آدم وعدوّه إبليس وذكر أخبارهما وما صنع الله بعدوّه إبليس حين تجبّر وتكبر من تعجيل العقوبة وطغى وبغى من الطرد والإبعاد والنظرة الى يوم الدين وما صنع بآدمٍ إذ أخطأ ونسي من تعجيل العقوبة له ثم تغمّده إيّاه بالرحمة إذ تاب من زلّته فأرجع إلى ذكر قابيل وشيث ابني آدم وأولادهما إن شاء الله.
ذكر شيث بن آدم عليه السلام
قد ذكرنا بعض أمره وأنه كان وصي آدم في مخلفيه بعد مضيّه لسبيله وما أنزل الله عليه من الصحف وقيل: إنه لم يزل مقيمًا بمكّة يحج ويعتمر إلى أن مات وإنه كان جمع ما أنزل عليه وعلى أبيه آدم من الصحف وعمل بما فيها وإنه بنى الكعبة بالحجارة والطين.
وأما السلف من علمائنا فإنهم قالوا: لم تزل القبة التي جعل الله لآدم مكان البيت إلى أيام الطوفان فرفعها الله حين أرسل الطوفان وقيل: إن شيثًا لما مرض أوصى إلى ابنه أنوش ومات فدفن مع أبويه بغار أي قبيس وكانت وفاته وقد أتت عليه تسعمائة سنة واثنتا عشرة سنة وقام أنوش بن شيث بعد موت أبيه بسياسة الملك وتدبير من تحت يديه من رعيّته مقام أبيه لا يوقف منه على تغيير ولا تبديل فكان جميع عمر أنوش سبعمائة وخمس سنين وكان مولده بعد أن مضى من عمر أبيه شيث ستمائة سنة وخمس سنين وهذا قول أهل التوراة.
وقال ابن عباس: ولد لشيث أنوش وولد معه نفر كثير وإليه أوصى شيث ثم ولد لأنوش بن شيث ابنه قينان من أخته نعمة بنت شيث بعد مضيّ تسعين سنة من عمر أنوش وولد معه نفر كثير وإليه الوصيّة وولد قينان مهلائيل ونفرًا كثيرًا عنه وإليه الوصيّة وولد مهلائيل يرد وهو اليارد ونفرًا معه وإليه الوصيّة فولد يرد حنوخ وهو إدريس النبيّ ونفرًا معه وإليه الوصية وولد حنوخ متوشلخ ونفرًا معه وإليه الوصية.
وأما التوراة ففيها أن مهلائيل ولد بعد أن مضى من عمرآدم عليه السلام ثلاثمائة وخمس وتسعون سنة ومن عمر قينان سبعون وولد يرد لمهلائيل بعدما مضى من عمر آدم أربعمائة سنة وستون سنة فكان على منهاج أبيه غير أن الأحداث بدأت في زمانه.ملك شيث إلى أن ملك يرد ذكر أن قابيل لما قتل هابيل وهرب من أبيه آدم إلى اليمن أتاه إبليس فقال له: إنّ هابيل إنما قبل قربانه وأكلته النار لأنه كان يخدم النار ويعبدها فانصب أنت أيضًا نارًا تكون لك ولعقبك فبنى بيت نار فهو أول من نصب النار وعبدها.
وقال ابن إسحاق: إن قينًا وهو قابيل نكح أخته أشوت بنت آدم فولدت له رجلًا وامرأة: خنوخ بن قين وعذب بنت قين فنكح خوخ أخته عذب فولدت ثلاثة بنين وامرأة: غيرد ومحويل وزنوشيل وموليث ابنة خنوخ فنكح أنوشيل بن خنوخ أخته موليث وولدت له رجلًا اسمه لامك فنكح لامك امرأتين اسم إحداهما عدّى والأخرى صلّى فولدت عدّى بولس بن لامك فكان أول من سكن القباب واقتنى المال وتوبلين فكان أول من ضرب بالونج والصنج وولدت رجلًا اسمه توبلقين وكان أول من عمل النحاس والحديد وكان أولادهم فراعنة وجبابرة وكانوا قد أعطوا بسطة في الخلق قال: ثم انقرض ولد قين ولم يتركوا عقبًا إلا قليلًا وذرية آدم كلها جهلت أنسابهم وانقطع نسلهم إلا ما كان من شيث فمنه كان النسل وأنساب الناس اليوم كلهم إليه دون أبيه آدم ولم يذكر ابن إسحاق من أمر قابيل وولده إلا ما حكيت.وقال غيره من أهل التوراة: إن أول من اتخذ الملاهي من ولد قابيل رجل يقال له ثوبان بن قابيل اتخذها في زمان مهلائيل بن قينان اتخذ المزامير والطنابير والطبول والعيدان والمعازف فانهمك ولد قابيل في اللهو وتناهى خبرهم الى من بالجبل من ولد شيث فهم منهم مائة رجل بالنزول إليهم وبمخالفة ما أوصاهم به آباؤهم وبلغ ذلك يارد فوعظهم ونهاهم فلم يقبلوا ونزلوا إلى ولد قابيل فأعجبوا بما رأوا منهم فلمّا أرادوا الرجوع حيل بينهم وبين ذلك لدعوة سبقت من آبائهم فلمّا أرادوا الرجوع حيل بينهم وبين ذلك لدعوةٍ سبقت من آبائهم فلما أبطأوا ظنّ من بالجبل ممن كان في نفسه زيغ أنهم أقاموا اغتباطًا فتسلّلوا ينزلون من الجبل ورأوا اللهو فأعجبهم ووافقوا نساءً من ولد قابيل متشرّعات إليهم وصرن معهم وانهمكوا في الطغيان وفشت الفحشاء وشرب الخمر فيهم وهذا القول غير بعيد من الحق وذلك أنه قد روي عن جماعة من سلف علمائنا المسلمين نحو منه وإن لم يكونوا بينوا زمان من حدث - ذلك في ملكه إلا أنهم ذكروا أن ذلك كان فيما بين آدم ونوح منهم ابن عباس أو مثله ومثله روى الحكم بن عتيبة عن أبيه مع اختلاف قريب من القولين والله أعلم.
وأما نسّابو الفرس فقد ذكرت ما قالوا في مهلائيل بن قينان وأنه هو أوشهنج الذي ملك الأقاليم السبعة وبينت قول من خالفهم وقال هشام بن الكلبيّ: إنه أول من بني البناء واستخرج المعادن وأمر أهل زمانه باتخاذ المساجد وبني مدينتين كانتا أول ما بني على ظهر الأرض من المدائن وهما مدينة بابل وهي بالعراق ومدينة السوس بخوزستان وكان ملكه أربعين سنة.
وقال غيره: هو أوّل من استنبط الحديد وعمل منه الأدوات للصناعات وقدّر المياه في مواضع المنافع وحضّ الناس على الزراعة واعتماد الأعمال وأمر بقتل السباع الضارية واتخاذ الملابس من جلودها والمفارش وبذبح البقر والغنم والوحش وأكل لحومها وإنه بنى مدينة الريّ قالوا: وهي أول مدينة بنيت بعد مدينة جيومرث التي كان يسكنها بدنباوند وقالوا: إنه أول من وضع الأحكام والحدود وكان ملقبًّا بذلك يدعى بيشداد ومعناه بالفارسية أول من حكم بالعدل وذلك أن بيش معناه أول وداد معناه عدل وقضى وهو أول من استخدم الجواري وأوّل من قطع الشجر وجعله في البناء وذكروا أنه نذل الهند وتنقل في البلاد وعقد على رأسه تاجًا وذكروا أنه قهر إبليس وجنوده ومنعهم الاختلاط بالناس وتوعدهم على ذلك وقتل مردتهم فهربوا من خوفه الى المفاوز والجبال فلما مات عادوا.
وقيل: إنه سمى شرار الناس شياطين واستخدمهم وملك الأقاليم كلّها وإنه كان بين مولد أوشهنج وموت جيومرث مائتا سنة وثلاث وعشرون سنة.
عتيبة بالعين وبعدها تاء فوقها نقطتان وياد تحتها نقطتان وباء موحدة.وقيل يارد بن مهلائيل أمّه خالته سمعن ابنة براكيل بن محويل بن حنوخ بن قين بن آدم ولد بعدما مضى من عمر آدم أربعمائة سنة وستون سنة وفي أيامه عملت الأصنام وعاد من عاد عن الاسلام ثم نكح يرد في قول ابن إسحاق وهو ابن مائة واثنتين وستين سنة بركتا ابنة الدرمسيل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم فولدت له خنوخ وهو إدريس النبيّ فكان أول بني آدم أعطي النبّوة وخط بالقلم وأول من نظر في علوم النجوم والحساب وحكماء اليونانيين يسمونه هرمس الحكيم وهو عظيم عندهم فعاش يرد بعد مولد إدريس ثمانمائة سنة وولد له بنون وبنات فكان عمره تسعمائة سنة واثنتين وستين سنة وقيل: أنزل على إدريس ثلاثون صحيفة وهو أول من جاهد في سبيل الله وقطع الثياب وخاطها وأوّل من سبى من ولد قابيل بن آدم فاسترقَّ منهم وكان وصيّ والده يرد فيما كان آباؤه وصّوا به إليه وفيما أوصى بعضهم بعضًا وتوفي آدم بعد أن مضى من عمر إدريس ثلاثمائة وثماني سنين ودعا إدريس قومه وعظهم وأمرهم بطاعة الله تعالى ومعصية الشيطان وأن لا يلابسوا ولد قابيل فلم يقبلوا منه.
قال: وفي التوراة أن الله رفع إدريس بعد ثلاثمائة سنة وخمس وستين سنة من عمره وبعد أن مضى من عمر أبيه خمسمائة سنة وسبع وعشرون سنة فعاش أبوه بعد ارتفاعه أربعمائة وخمسًا وثلاثين سنة تمام تسعمائة واثنتين وستين سنة. قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (يا أبا ذرّ من الرسل أربعة سريانيون: آدم وشيث ونوح وخنوخ وهو أول من خط بالقلم وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة). وقيل: إن الله أرسله إلى جميع أهل الأرض في زمانه وجمع له علم الماضين وزاده ثلاثين صحيفة وقال بعضهم: ملك بيوراسب في عهد إدريس وكان قد وقع عليه من كلام آدم فاتخذه سحرًا وكان بيوراسب يعمل به يارد بياء معجمة باثنتين من تحتها وراء مهملة وذال معجمة وحنوخ بحاء مهملة مفتوحة ونون بعدها واو وخاء معجمة وقيل: بخائين معجمتين.
ذكر ملك طهمورث زعمت الفرس أنه ملك بعد موت أوشهنج طهمورث بن ويونجهان يعني خير أهل الأرض ابن حبايداد بن أوشهنج وقيل في نسبه غير ذلك وزعم الفرس أيضًا أنه ملك الأقاليم السبعة وعقد على رأسه تاجًا وكان محمودًا في ملكه مشفقًا على رعيّته وأنه ابتنى سابور من فارس ونزلها وتنقل في البلدان وأنه وثب بإبليس حتى ركبه فطاف عليه في أداني الأرض وأقاصيها وأفزعه ومردته حتى تفرّقوا وكان أوهل من اتخذ الصوف والشعر للّبس والفرش وأول من اتخذ زينة الملوك من الخيل والبغال والحمير وأمر باتخاذ الكلاب لحفظ المواشي وغيرها وأخذ الجوارح للصيد وكتب بالفارسية وأنّ بيوراسب ظهر في أول سنة من ملكه ودعا إلى ملّة كذا قال أبو جعفر وغيره من العلماء: إنه ركب إبليس وطاف عليه والعهدة عليهم وإنما نحن نقلنا ما قالوه.
قال ابن الكلبي: أول ملوك الأرض من بابل طهمورث وكان لله مطيعًا وكان ملكه أربعين سنة وهو أوّل من كتب بالفارسية وفي أيامه عبدت الأصنام وأول ما عرف الصوم في ملكه وسببه أن قومًا فقراء تعذّر عليهم القوت فأمسكوا نهارًا وأكلوا ليلًا ما يمسك رمقهم ثم اعتقدوه تقرُّبًا الى الله وجاءت الشرائع به.
ذكر خنوخ وهو إدريس عليه السلام ثم نكح خنوخ بن يرد هدانة ويقال اذانة ابنة باوبل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم وهو ابن خمس وستين سنة فولدت له متوشلخ بن خنوخ فعاش بعدما ولد متوشلخ ثلاثمائة سنة ثمّ رفع واستخلفه خنوخ على أمر ولده وأمر الله وأوصاه وأهل بيته قبل أن يرفع وأعلمهم أن الله سوف يعذب ولد قابيل ومن خالطهم ونهاهم عن مخالطتهم وإنه كان أوّل من ركب الخيل لأنه سلك رسم أبيه خنوخ في الجهاد ثم نكح متوشلخ عربا ابنة عزازيل بن أنوشيل بن خنوخ بن قين وهو ابن مائة سنة وسبع وثلاثين سنة فولدت له لمك بن متوشلخ فعاش بعدما ولد له لمك سبع مائة سنة وولد له بنون وبنات فكان كلُّ ما عاش متوشلخ تسعمائة سنة وسبعًا وعشرين سنة ثم مات وأوصى الى ابنه لمك فكان لمك يعظ قومه وينهاهم عن مخالطة ولد قابيل فلم يقبلوا حتى نزل إليهم جميع من كان معهم في الجبل.
وقيل: كان لمتوشلخ ابن آخر غير لمك يقال له صابي وبه سمي الصابئون.
قلت: محويل بحاء مهملة وياء معجمة باثنتين من تحت وقين بقاف وياء معجمة باثنتين من تحت ومتوشلخ بفتح الميم وبالتاء المعجمة باثنتين من فوق وبالشين المعجمة وبحاء مهملة وقيل خاء معجمة.
ونكح لمك بن متوشلخ قينوش ابنة براكيل بن محويل بن خنوخ بن قين وهو ابن مائة سنة وسبع وثمانين سنة فولدت له نوح بن لمك وهو النبيّ فعاش لمك بعد مولد نوح خمسمائة سنة وخمسًا وتسعين سنة وولد له بنون بونات ثمّ مات ونكح نوح بن لمك عزرة بنت براكيل بن محويل بن خنوخ بن قين وهو ابن خمسمائة سنة فولدت له ولده سامًا وحامًا ويافث بني نوح وكان مولد نوح بعد موت آدم بمائة سنة وستّ وعشرين سنة ولما أدرك قال له أبوه لمك: قد علمت أنه لم يبق في هذا الجبل غيرنا فلا تستوحش ولا تتبع الأمّة الخاطئة وكان نوح يدعو قومه ويعظهم فيستخفّون به.وقيل: كان نوح في عهد بيوراسب وكانوا قومه فدعاهم الى الله تسعمائة وخمسين سنة كلّما مضى قرن اتبعهم قرن على ملّة واحدة من الكفر حتى أنزل الله عليهم العذاب.
وقال ابن عبّاس فيما رواه ابن الكلبيّ عن أبي صالح عنه: فولد لمك نوحًا وكان له يوم ولد نوح اثنتان وثمانون سنة ولم يكن في ذلك الزمان أحد ينهى عن منكر فبعث الله إليهم نوحًا وهو ابن أربع مائة وثمانين سنة فدعاهم مائة وعشرين سنة ثمّ أمره الله بصنعة الفلك فصنعها وركبها وهو ابن ستمائة سنة وغرق من غرق ثمّ مكث من بعد السفينة ثلاثمائة سنة وخمسين سنة.
وروي عن جماعة من السلف أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على ملّة الحقّ وأن الكفر بالله حدث في القرن الذي بعث فيه إليهم نوح فأرسله الله وهو أوّل نبيّ بعث بالإنذار والدّعاء إلى التوحيد وهو قول ابن عبّاس وقتادة.
ذكر ملك جمشيد وأما علماء الفرس فإنهم قاولا: ملك بعد طهمورث جم شيد والشيد عندهم الشعاع وجم القمر لقبوه بذلك لجماله وهو جم بن ويونجهان وهو أخو طهمورث وقيل: إنه ملك الأقاليم السبعة وسخر له ما فيها من الجنّ والإنس وعقد التاج على رأسه وأمر لسنة مضت من ملكه إلى خمسين سنة بعمل السيوف والدروع وسائر الأسلحة والة الصنّاع من الحديد ومن سنة خمسين من ملكه إلى سنة مائة بعمل الإبريسم وغزله والقطن والكتّان وكلّ ما يستطاع غزله وحياكة ذلك وصبغه ألوانًا ولبسه ومن سنة مائة الى سنة خمسين ومائة صنف الناس أربع طبقات: طبقة مقاتلة وطبقة فقهاء وطبقة كتّاب وصنّاع وطبقة حرّاثين واتخذ منهم خدمًا ووضع لكل أمر خاتمًا مخصوصًا به فكتب على خاتم الحرب: الرفق والمداراة وعلى خاتم الخراج: العمارة والعدل وعلى خاتم البريد والرسل: الصدق والأمانة وعلى خاتم المظالم: السياسة والانتصاف وبقيت رسوم تلك الخواتيم حتى محاها الإسلام.
ومن سنة مائة وخمسين الى سنة خمسين ومائتين حارب الشياطين وأذلهم وقهرهم وسخروا له ومن سنة خمسين ومائتين الى سنة ست عشرة وثلاثمائة وكّل الشياطين بقطع الأحجار والصخور من الجبال وعمل الرخام والجصّ والكلس والبناء بذلك الحمّامات والنقل من البحار والجبال والمعادن والذهب والفضّة وسائر ما يذاب من الجواهر وأنواع الطيب والأدوية فنفذوا في ذلك بأمره ثم أمر فصنعت له عجلة من الزجاج فأصفد فيها الشياطين وركبها وأقبل عليها في الهواء من دنباوند الى بابل في يوم واحد وهو يوم هرمزروز وافروز دين ماه فاتخذ الناس ذلك اليوم عيدًا وخمسة أيام بعده وكتب الى الناس في اليوم السادس يخبرهم أنه قد سار فيهم بسيرة ارتضاها الله فكان من جزائه إياه عليها أنه قد جنبهم الحرّ والبرد والأسقام والهرم والحسد فمكث الناس ثلاثمائة سنة بعد الثلاثمائة والستّ عشرة سنة لا يصيبهم شيء مما ذكر.
ثم بنى قنطرة على دجلة فبقيت دهرًا طويلًا حتى خرّبها الاسكندر وأراد الملوك عمل مثلها فعجزوا فعدلوا الى عمل الجسور من الخشب ثم إن جمًّا بطر نعمة الله عليه وجمع الإنس والجن والشياطين وأخبرهم أنه وليّهم ومانعهم بقوته من الأسقام والهرم والموت وتمادى في غيّه فلم يحر أحد منهم جوابًا وفقد مكانه وبهاءه وعزّه وتخلّت عنه الملائكة الذين كان الله أمرهم بسياسة أمره فأحسّ بذلك بيوراسب الذي تسمّى الضحّاك فابتدر الى جم لينتهسه فهرب منه ثمّ ظفر به بعد ذلك بيوراسب فاستطرد امعاءه وأشره بمئشار.
وقيل: إنه ادعى الربوبية فوثب عليه أخوه ليقتله واسمه استغتور فتوارى عنه مائة سنة فخرج عليه في تواريه بيوراسب فغلبه على ملكه.
وقيل: كان ملكه سبعمائة سنة وستّ عشرة سنة وأربعة أشهر.
قلت: وهذا الفصل من حديث جم قد أتينا به تامًا بعد أن كنّا عازمين على تركه لما فيه من الأشياء التي تمجّها الأسماع وتأباها العقول والطباع فإنها من خرافات الفرس مع أشياء أخرى قد تقدّمت قبلها وإنما ذكرناها ليعلم جهل الفرس فإنهم كثيرًا ما يشنعون على العرب بجهلهم وما
ذكر الأحداث التي كانت في زمن نوح عليه السلام
قد اختلف العلماء في ديانة القوم الذي أرسل إليهم نوح فمنهم من قال: إنهم كانوا قد أجمعا على العمل بما يكرهه الله تعالى من ركوب الفواحش والكفر وشرب الخمور والاشتغال بالملاهي عن طاعة الله ومنهم من قال: إنهم كانوا أهل طاعة وبيوراسب أول من أظهر القول بمذهب الصابئين وتبعه على ذلك الذين أرسل إليهم نوح وسنذكر أخبار بيوراسب فيما بعد.
وأما كتاب الله قال: فينطق بأنهم أهل أوثان قال تعالى: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودًّا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرًا وقد أضلّوا كثيرًا} [نوح : 23: 24].
قلت: لا تناقض بين هذه الأقاويل الثلاثة فإنّ القول الحقّ الذي لا يشكّ فيه هو أنهم كانوا أهل أوثان يعبدونها كما نطق به القرآن وهو مذهب طائفة من الصابئين فإن أصل مذهب الصابئين عدابة الروحانيين وهم الملائكة لتقربهم الى الله تعالى زلفى فإنهم اعترفوا بصانع العالم وأنه حكيم قادر مقدّس إلا أنهم قالوا الواجب علينا معرفة العجز عن الوصول الى معرفة جلاله وإنما نتقرب إليه بالوسائط المقرِّبة لديه وهم الروحانيون وحيث لم يعاينوا الروحانيين تقربوا إليهم بالهياكل وهي الكواكب السبعة السيارة لأنها مدبرة لهذا العالم عندهم ثم ذهبت طائفة منهم وهم أصحاب الأشخاص حيث رأوا أن الهياكل تطلع وتغرب وترى ليلًا ولا ترى نهارًا إلى وضع الأصنام لتكون نصب أعينهم ليتوسّلوا بها الى الهياكل والهياكل الى الروحانيين والروحانيون الى صانع العالم فهذا كان أصل وضع الأصنام أولًا وقد كان أخيرًا في العرب من هو على هذا الاعتقاد وقال تعالى: {ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى} [الزمر: 3]. فقد حصل من عبادة الأصنام مذهب الصابئين والكفر والفواحش وغير ذلك من المعاصي.
فلما تمادى قوم نوح على كفرهم وعصيانهم بعث الله إليهم نوحًا يحذّرهم بأسه ونقمته ويدعوهم الى التوبة والرجوع إلى الحقّ والعمل بما زمر الله تعالى وأرسل نوح وهو ابن خمسين سنة فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا.
وقال عون بن أبي شداد: إن الله تعالي أرسل نوحًا وهو ابن ثلاثمائة وخسمين سنة فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا ثم عاش بعد ذلك ثلاثمائة وخسمين سنة وقيل غير ذلك وقد تقدّم.
قال ابن إسحاق وغيره: إن قوم نوح كانوا يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال: اللهم اغفر لي ولقومي فإنهم لا يعلمون حتى إذا تمادوا في معصيتهم وعظمت في الأرض منهم الخطيئة وتطاول عليه وعليهم الشأن اشتد عليه البلاء وانتظر النجل بعد النجل فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من الذي كان قبله حتى إن كان الآخر ليقول: قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا مجنونًا لا يقبلون منه شيئًا وكان يضرب ويلفّ ويلقى في بيته ويرون أنه قد مات فإذا أفاق اغتسل وخرج إليهم يدعوهم الى الله فلما طال ذلك عليه ورأى الأولاد شرًّا من الآباء قال: ربّ قد ترى ما يفعل بي عبادك فإن تك لك فيهم حاجة فاهدهم وإن يك غير ذلك فصيرني الى أن تحكم فيهم فأوحى إليه: {أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} [هود: 36]. فلما يئس من إيمانهم دعا عليهم فقال: {ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارًا} [نوح: 26]. إلى آخر القصة فلما شكا الى الله واستنصره عليهم أوحى الله إليه أن: {اصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون} [هود: 37]. فأقبل نوح على عمل الفلك ولها عن دعاء قومه وجعل يهيء عتاد الفلك من الخشب والحديد والقار وغيرها مما لا يصلحه سواه وجعل قومه يمرون به وهو في عمله فيسخرون منه فيقول: {إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون} [هود: 38 - 39]. قال: ويقولون: يا نوح قد صرت نجّارًا بعد النبوّة وأعقم الله أرحام النساء فلا يولد لهم وصنع الفلك من خشب الساج وأمره أن يجعل طوله ثمانين ذراعًا وعرضه خمسين ذراعًا وطوله في السماء ثلاثين ذراعًا وقال قتادة: كان طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسين ذراعًا وطولها في السماء ثلاثين ذراعًا وقال الحسن: كان طولها ألف وأمر نوحًا أن يجعله ثلاث طبقات: سفلى ووسطى وعليا ففعل نوح كما أمره الله تعالى حتى إذا فرغ منه وقد عهد الله إليه {حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل} [هود: 40]. وقد جعل التنور آيةً فيما بينه وبينه فلمّا فار التنور وكان فيما قيل من حجارة كان لحواء: وقال ابن عباس: كان ذلك تنورًا من أرض الهند وقال مجاهد والشعبيّ: كان التنور بأرض الكوفة وأخبرته زوجته بفوران الماء من التنور وأمر الله جبرائيل فرفع الكعبة إلى السماء الرابعة وكانت من ياقوت الجنة كما ذكرناه وخبز الحجر الأسود بجبل أبي قُبيس فبقي فيه إلى أن بنى إبراهيم البيت فأخذه فجعله موضعه ولما فار التنور حمل نوح من أمر الله بحمله وكانوا أولاده الثلاثة: سام وحام ويافث ونساءهم وستة أناسي فكانوا مع نوح ثلاثة عشر.
وقال ابن عبّاس: كان في السفنية ثمانون رجلًا أحدهم جرهم كلهم بنو شيث وقال قتادة: كانوا ثمانية أنفس: نوح وامرأته وثلاثة بنوه ونساؤهم وقال الأعمش: كانوا سبعة ولم يذكر فيهم زوج نوح وحمل معه جسد آدم ثمّ أدخل ما أمر الله به من الدواب وتخلّف عنه ابنه يام وكان كافرًا وكان آخر من دخل السفينة الحمار فلما دخل صدره تعلّق إبليس بذنبه فلم ترتفع رجلاه فجعل نوح يأمره بالدخول فلا يستطيع حتى قال: ادخل وإن كان الشيطان معك فقال كلمة زلّت على لسانه فلمّا قالها دخل الشيطان معه فقال له نوح: ما أدخلك يا عدوّ الله فقال: ألم تقل ادخل وإن كان الشيطان معك فتركه ولما أمر نوح بإدخال الحيوان السفينة قال: أي ربّ كيف أصنع بالأسد والبقرة وكيف أصنع بالعناق والذئب والطير والهر قال: الذي ألقى بينها العداوة هو يؤلف بينها فألقى الحمى على الأسد وشغله بنفسه ولذلك قيل: وما الكلب محمومًا وإن طال عمره ولكنما الحمى على الأسد الورد وجعل نوح الطير في الطبق الأسفل من السفينة وجعل الوحش في الطبق الأوسط وركب هو ومن معه من بني آدم في الطبق الأعلى فلما أطمأن نوح في الفلك وأدخل فيه كلّ من أمر به وكان ذلك بعد ستمائة سنة من عمره في قول بعضهم وفي قول بعضهم ما ذكرناه وحمل معه من حمل جاء الماء كما قال الله تعالى: {ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونًا فالتقي الماء على أمر قد قدر} [القمر: 12]. فكان بين أن أرسل الماء وبين أن احتمل الماء الفلك أربعون يومًا وأربعون ليلة وكثر واشتدّ وارتفع وطمى وغطى نوح وعلى من معه طبق السفينة وجعلت الفلك تجري بهم في موج كالجبال ونادي نوح ابنه الذي هلك وكان في معزل: {يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين} [هود: 42]. وكان كافرًا {قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء}. [هود: 43]. وكان عهد الجبال وهي حرز وملجأ فقال نوح: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلاّ من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين} [هود: 43] وعلا الماء على رؤوس الجبال فكان على أعلى جبل في الأرض خمسة عشر ذراعًا فهلك ما على وجه الأرض من حيوان ونبات فلم يبق إلا نوح ومن معه وإلا عوج بن عنق فيما زعم أهل التوراة وكان بين إرسال الماء وبين أن غاض ستّة أشهر وعشر ليال.
قال ابن عباس: أرسل الله المطر أربعين يومًا فأقبلت الوحش حين أصابها المطر والطين إلى نوح وسخّرت له فحمل منها كما أمره الله فركبوا فيها لعشر ليال مضين من رجب وكان ذلك لثلاث عشرة خلت من آب وخرجوا منها يوم عاشوراء من المحرّم فلذلك صام من صام يوم عاشوراء وكان الماء نصفين: نصف من السماء ونصف من الأرض وطافت السفينة بالأرض كلها لا تستقر حتى أتت الحرم فلم تدخله ودارت بالحرم أسبوعًا ثم ذهبت في الأرض تسير بهم حتى انتهت الى الجودي وهو جبل بقردى بأرض الموصل فاستقرت عليه فقيل عند ذلك: {بعدًا للقوم الظالمين} [هود: 44]. ولما استقرت قيل: {يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء} [هود: 44]. نشفته الأرض وأقام نوح في الفلك إلى أن غاض الماء فلما خرج منها اتخذ بناحية من قردى من أرض الجزيرة موضعًا وابتنى قريةً سمّوها ثمانين وهي الآن تسمى بسوق الثمانين لأن كلّ واحد ممن معه بنى لنفسه بيتًا وكانوا ثمانين رجلًا.قال بعض أهل التوراة: لم يولد لنوح إلا بعد الطوفان وقيل: إن سامًا ولد قبل الطوفان بثمان وتسعين سنة وقيل: إنّ اسم ولده الذي أغرق كان كنعان وهو يام.
وأما المجوس فإنهم لا يعرفون الطوفان ويقولون لم يزل الملك فينا من عهد جيومرث وهو آدم قالوا: ولو كان كذلك لكان نسب القوم قد انقطع وملكهم قد اضمحلّ وكان بعضهم يقرّ بالطوفان ويزعم أنه كان في إقليم بابل وما قرب منه وأن مساكن ولد جيومرث كانت بالمشرق فلم يصل ذلك إليهم وقول الله تعالى أصدق في أن ذرّية نوح هم الباقون فلم يعقب أحد ممن كان معه في السفينة غير ولده سام وحام ويافث.
ولما حضرت نوحًا الوفاة قيل له: كيف رأيت الدنيا قال: كبيت له بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر وأوصى إلى ابنه سام وكان أكبر ولده.
ذكر بيوراسب وهو الازدهاق الذي يسميه العرب الضحّاك وأهل اليمن يدّعون أنّ الضحاك منهم وأنه أول الفراعنة وكان ملك مصر لما قدمها إبراهيم الخليل والفرس تذكر أنه منهم وتنسبه إليهم وأنه بيوراسب بن أرونداسب بن رينكار بن وندريشتك بن يارين بن فروال بن سيامك بن ميشي بن جيومرث ومنهم من ينسبه غير هذه قال هشام بن الكلبيّ: ملك الضحاك بعد جم فيما يزعمون والله أعلم ألف سنة ونزل السواد في قرية يقال لها برس في ناحية طريق الكوفة وملك الأرض كلها وسار بالجور والعسف وبسط يده في القتل وكان أول من سن الصلب والقطع وأول من وضع العشور وضرب الدراهم وأول من تغنى وغني له قال: وبلغنا أنّ الضحاك هو نمرود وأن ابراهيم عليه السلام ولد في زمانه وأنه صاحبه الذي أراد إحراقه وتزعم الفرس أن الملك لم يكن إلا للبطن الذي منه أوشهنج وجم وطهمورث وأن الضحّاك كان غاصبًا وأنه غصب أهل الأرض بسحره وخبثه وهوّل عليهم بالحيّتين اللّتين كانتا على منكبيه.
وقال كثير من أهل الكتب: إن الذي كان على منكبيه كان لحمتين طويلتين كلّ واحدة منهما كرأس الثعبان وكان يسترهما بالثياب ويذكر على طريق التهويل أنهما حيتان تقتضيانه الطعام وكانتا تتحركان تحت ثوبه إذا جاعتا ولقي الناس منه جهدًا شديدًا وذبح الصبيان لأنّ اللحمتين اللتين كانتا على منكبيه كانتا تضطربان فإذا طلاهما بدماغ إنسان سكنتا فكان يذبح كلّ يوم رجلين فلم يزل الناس كذلك حتى إذا أراد الله هلاكه وثب رجل من العامة من أهل أصبهان يقال له كابي بسبب ابنين له أخذهما أصحاب بيوراسب بسبب اللحمتين اللتين على منكبيه وأخذ كابي عصًا كانت بيده فعلّق بطرفها جرابًا كان معه ثمّ نصب ذلك كالعلم ودعا الناس الى مجاهدة بيوراسب ومحاربته فأسرع الى إجابته خلق كثير لما كانوا فيه من البلاء وفنون الجور فلما غلب كابي تفاءل الناس بذلك العلم فعظّموه وزادوا فيه حتى صار عند ملوك العجم علمهم الأكبر الذي يتبركون به وسموه درفش كابيان فكانوا لا يسيرونه إلا في الأمور الكبار العظام ولا يرفع إلا لأولاد الملوك إذا وجهوا في الأمور الكبار.
وكان من خبر كابي أنه من أهل أصبهان فثار بمن اتبعه فالتفت الخلائق إليه فلمّا أشرف على الضحّاك قذف في قلب الضحاك منه الرعب فهرب عن منازله وخلّى مكانه فاجتمع الأعجام إلى كابي فأعلمهم أنه لا يتعرض للملك لأنه ليس من أهله وأمرهم أن يملكوا بعض ولد جم لأنه ابن الملك أوشهنق الأكبر بن فروال الذي رسم الملك وسبق في القيام به وكان أفريدون بن أثغيان مستخفيًا من الضحاك فوافى كابي ومن معه فاستبشروا بموافاته فملّكوه وصار كابي والوجوه لأفريدون أعوانًا على أمره فلمّا ملك وأحكم ما احتاج إليه من أمر الملك احتوى على منازل الضحاك وسار في أثره فأسره بدنباوند في جبالها.
وبعض المجوس تزعم أنه وكل به قومًا ن الجن وبعضهم يقول: إنه لقي سليمان بن داود وحبسه سليمان في جبل دنباوند وكان ذلك الزمان بالشام فما برح بيوراسب بحبسه يجرّه حتى حمله الى خراسان فلمّا عرف سليمان ذلك أمر الجنّ فأوثقوه حتى لا يزول وعملوا عليه طلسمًا وهذا أيضًا من أكاذيب الفرس الباردة ولهم فيه أكاذيب أعجب من هذا تركنا ذكرها.
وبعض الفرس زعم أن أفريدون قتله يوم النّيروز فقال العجم عند قتله: إمروز نوروز أي استقبلنا الدهر بيوم جديد فاتخذوه عيدًا وكان أسره يوم المهرجان فقال العجم: آمد مهرجان لقتل من كان يذبح وزعموا أنهم لم يسمعوا في أمور الضحاك بشيء يستحسن غير شيء واحد وهو أن بليته لما اشتدت ودام جوره وتراسل الوجوه في أمره فأجمعوا على المصير الى بابه فوافاه الوجوه فاتفقوا على أن يدخل عليه كابي الأصبهاني فدخل عليه ولم يسلم فقال: أيها الملك أي السلام أسلم عليك سلام من يملك الأقاليم كلها أم سلام من يملك هذا الإقليم فقال: بل سلام من يملك الأقاليم كلها لأني ملك الأرض فقال كابي: إذ كنت تملك الأقاليم كلها فلم خصصتنا بأثقالك وأسبابك من بينهم ولم لا تقسم الأمور بيننا وبينهم وعدّد عليه أشياء كثيرة فصدّقه فعمل كلامه في الضحّاك فأقرّ بالإساءة وتألّف القوم ووعدهم بما يحبون وأمرهم بالانصراف ليعودوا ويقضي حوائجهم ثم ينصرفوا إلى بلادهم.
وكانت أمّه حاضرة تسمع معاتبتهم وكانت شرًّا منه فلمّا خرج القوم دخلت مغتاظة من احتماله وحلمه عنهم فوبخته وقالت له: ألا أهلكتهم وقطعت أيديهم فلما أكثرت عليه قال لها: ياهذه لا تفكري في شيء إلا وقد سبقت إليه إلا أن القوم بدهوني بالحقّ وقرعوني به فكلما هممت بهم تخيل لي الحق بمنزلة الجبل بيني وبينهم فما أمكنني فيهم شيء ثم جلس لأهل النواحي فوفى لهم بما وعدهم وقضى أكثر حوائجهم.
وقال بعضهم: كان ملكه ستمائة سنة وكان عمره ألف سنة وإنه كان في باقي عمره شبيهًا بالملك لقدرته ونفوذ أمره وقيل: كان ملكه ألف سنة وكان عمره ألف سنة ومائة سنة.
وإنما ذكرنا خبر بيوراسب ها هنا لأن بعضهم يزعم أن نوحًا كان في زمانه وإنما أرسل إليه والى أهل مملكته وقيل: إنه هو الذي بنى مدينة بابل ومدينة صور ومدينة دمشق.